الأنبا برصنوفيوس مقتطفات من بستان الرهبان
سؤال: «إني أطلبُ إليك أيها الأب أن تعطيني قانوناً أتدبَّر به في قراءةِ المزامير وفي الصوم وفي الصلاة، واخبرني إن كان ينبغي أن تكونَ الأيامُ مختلفةً متفاوتة».
الجواب: اترك يا ابني قوانينَ الناسِ واستمع لقولِ الربِّ: «إن الذي يصبر إلى التمام يخلص»، لأنه إن لم يكن للإنسانِ صبرٌ طويل فلا يدخل إلى الحياةِ، لأنه بأحزانٍ كثيرةٍ ندخل الملكوت، كقول الرسول. فلا تطلب أن تكون تحت قانونٍ، لأني لستُ أريدك أن تكون تحت ناموسٍ بل تحت النعمةِ، لأنه مكتوب: «إن الناموسَ لم يوضع للقديسين». تمسَّك بالإفرازِ وكمثل نوتي حكيم دبِّر سفينتَك مقابل الرياح، وبعد ذلك لا تبالِ، لأن الجسدَ إذا مرض لا يقبل الطعامَ كعادتهِ، وإذا كان الأمرُ هكذا فقد بَطُلَ القانونُ. أما عن الأيامِ فلتكن عندك كلّها متساويةً مقدسة، وكلُّ شيءٍ تفعلَه فليكن بفهمٍ، وجاهد لتقطع عنك الغضبَ، لأنه يحتاج إلى جهادٍ مع معونةِ اللهِ.
من قوله بخصوصِ طول الروح: احلب لبناً فسوف يصيرُ سمناً، فإذا ضغطتَ بيديك على الضِرعِ أخرج دماً. وأيضاً قال الرسول: «صرتُ مع الكلِّ مثلَ الكلِّ لأربحَ الكلَّ». هذه هي طريقُ المسيح لأنه بكلِّ وداعةٍ وسكونٍ جاء ليخلِّصَ الناسَ. فلا يقارع الإنسانُ فكرةَ قريبهِ. إذا لم يكن الإنسانُ جلداً صبوراً فلن يستطيعَ أن يكونَ مع الناسِ في هدوءٍ وسلام. اتعب لتقتني الصبرَ، لأنه مكتوبٌ هكذا بصبرِكم تقتنون أنفسَكم.
سؤال: «هل ينبغي لي أن أضعَ لنفسي حداً أن لا أخرجَ إلى موضعٍ»؟
الجواب: «لا تربط نفسَك تحت أمرٍ ما، حتى إن اضطررتَ للخروجِ بدونِ حزنٍ أو ارتباكِ أفكار، بل في كلِّ شيءٍ اقتنِ لك صبراً».
ومن قولهِ في الصبر: لماذا تصغُر نفسُك في الأحزانِ مثل إنسانٍ جَسَدَانيّ؟ ألم تعلم أن الأحزانَ موضوعةٌ للقديسين؟ ألم تسمع أنَّ كثيرةً هي أحزانُ الصديقين ومن جميعِها يخلِّصهم الربُّ؟ ألم تعلم أن الصديقَ يُمتحن بالأحزانِ كما يُمتحن الذهبُ بالنارِ؟ فإن كنا صديقين فبالأحزانِ نُختبر، وإن كنا خطاةً فبالأحزانِ نؤدَّب. لا تنم يا أخي لئلا يفاجئك الصوتُ القائل: «هو ذا الختنُ قد أقبل، اخرجن للقائهِ». فكيف تقولُ إنك مشغولٌ وهو قد صيَّرك بلا همٍّ. لن ينتظرك الزمانُ حتى تنوحَ على خطاياك، فإنك قد سمعتَ أنه سوف يُغلَق البابُ، فأسرع لئلا تبقى خارجاً مع الجاهلات. انتقل بفكرِك من هذا العالم البطال إلى العتيد. اترك الأرضيات واطلب السماويات. دع الباليات واتخذ الباقيات. مُت بالكمالِ لكي ما تحيا بالتمامِ بيسوعِ المسيح ربنا، الذي له المجد الدائم إلى الأبد، آمين.
سؤال: «كيف يمكنني أن أجيبَ أفكاري وليست لديَّ قوةٌ»؟
الجواب: لأنك تدين أخاك، لهذا تنقطع عنك قوةُ الروحِ القدس. فتعثُر بأخيك وأنت سببُ العثرةِ، إن كنتَ متأكداً أن الله حاضرٌ وناظرٌ لكلِّ شيءٍ، فلماذا تُبغض أخاك؟ أوضح للهِ أفكارَك، وقل إن الله يعرفُ ما فيه الخير، وبذلك تستريح، وشيئاً فشيئاً تأتيك قوةٌ تستطيع بها أن تحتملَ كلَّ ما يأتيك، كلُّ من لا يحتمل الشتيمةَ فلن يبصرَ المجدَ. وكلُّ من لا يترك الغضبَ فلن يتذوقَ الحلاوةَ. فاحرص بكلِّ قوَّتِك على أن تكونَ غريباً عن الغضبِ، ولتكن قدوةً ومثالاً لمنفعةِ الكلِّ ولا تدن أحداً كما لا تحكم على أحدٍ.
سؤال: «كيف يستطيع إنسانٌ خاطئٌ أن يبتغي الربَّ في كلِّ حينٍ»؟
الجواب: لقد طلبتُ من اللهِ أن يعرِّفني جوابَ سؤالك، فقال لي: «طهِّر قلبَك من كلِّ أفكارِ الإنسانِ العتيق وأنا أجيبُك إلى سؤال قلبك، لأن مواهبي إنما تكون في الأطهارِ ولهم تُعطى، وما دام قلبُك يتحرك بالغضبِ وبالحقدِ وبسائرِ الأوجاع العتيقة، فلن تدخلَ فيه الحكمةُ. إن كنتَ تشتهي أن تنال نعمتى ومواهبي فأخرِج رَحْلَ العدو (أي أمتعته وأدواته) وأبعده عنك، ومواهبي منها وبها تأتي إليك. ألم تسمع أن عبداً لا يقدرُ أن يخدمَ ربين؟ فإن كنتَ عبدي فلا تخدم الشيطان،َ وإن خدمته فلا تظن أنك خدمتني. فمن يشتاق إلى مواهبي فليقتفِ آثاري. لأني مثل الحمل الذي لا شرَّ فيه قبلتُ الأوجاعَ كلَّها ولم أكلِّم أحداً فيهم بشرٍّ. ومع أني أوصيتكم بأن تكونوا ودعاءَ مثل الحمام، إذ بي أجدكم وقد اتخذتم لأنفسكم قساوة الأوجاع. فانظروا لئلا أقول لكم: امضوا إلى سعيرِ نارِكم التي أضرمتموها». وعندما سمعتُ ذلك صرتُ أبكي ليتحنن عليَّ كصلاحِه، ولينجني من شرِّ الإنسان العتيق ويبلِّغني إلى الإنسانِ الجديد لكي ما أقبل كلَّ ما يأتي عليَّ بشكرٍ. فصلِّ من أجلي كي أهربَ من تزكيةِ نفسي.
عظة: إنسانٌ ساكتٌ يجبُ عليه ألا يحسبَ نفسَه شيئاً، بل عليه أن يلومها دائماً. إن زَلَقَ الجاهلُ في كلامِه فله عذرٌ من الكلِّ، لأنه سفيه لا يدري ما يتكلم به. ولكن إن زَلَقَ الحكيمُ فليس له عذرٌ، لأنه حكيمٌ وبمعرفةٍ يتكلم، وكذلك إذا أخطأ واحدٌ من العالميين كان له عذرٌ لأنه يخالط الكثيرين في العالم، فأما نحن الذين يُظن بنا أننا رهبانٌ أصحابُ سكوتٍ ومعلمون، فأي عذرٍ لنا. إن كنتَ تريد السلوك في طريق الله فليكن عندك الذين يضربونك مثل أولئك الذين يكرمونك، ومهينوك مثل مادحيك، والمفترون عليك مثل مباركيك، ومحزنوك مثل مفرِّحيك. وإن عرض للإخوةِ إما من نسيانٍ أو من سهوٍ فلم يعاملوك بما كان ينبغي أن يعاملوك به من الجميل، قل: «لو شاء اللهُ ذلك لكانوا قد فعلوه بي»، وإن هم أتوك فاقبلهم بسرورٍ وقل: «إني غيرُ مستحق»، ودع عنك تزكية نفسك، أما إن كنتَ تقول إنك حسناً قلتَ وحسناً فهمتَ، فلا حسناً قلتَ ولا حسناً فهمتَ.
وبخصوص الغَلَبةِ على الشيطانِ قال: «إن نحن اتضعنا فإن الربَّ يطرد عنا الشيطان، لذلك يجب علينا أن نلومَ أنفسَنا في كلِّ حينٍ وفي كلِّ أمرٍ لأن هذه هي الغَلَبة».
ومن أجلِ الثلاث فضائل الكبار قال: «قال الآباءُ إن الفضائلَ الثلاث الآتية جليلةٌ جداً ومن يقتنيها يستطيع أن يسكنَ في وسطِ الناس وفي البراري وحيثما أراد، وهي: أن يلومَ الإنسانُ نفسَه، ويقطع هواه، ويسير تحت كلِّ الخليقةِ. فالمتضع كائنٌ في أسفل، والذي هو في أسفل فلن يقع، ومن ذلك يتبين أن المتعالي هو الذي يسقط بسرعةٍ».
سؤال: «كيف ينبغي لي أن أقضي يومي»؟
الجواب: اقرأ في المزامير قليلاً واحفظ قليلاً، وفتِّش أفكارَك قليلاً ولا تجعل ذاتَك تحت رباطِ قانون، ولكن اعمل بقدر ما قوَّاك الله على فعلِه، ولا تترك تلاوة المزامير والقراءة قليلاً قليلاً هكذا، وبذلك يمكنك أن تقضي يومَك بمرضاةِ الله، لأن آباءنا لم يكن لهم قوانين لساعاتٍ، بل كانوا يجتازون النهارَ كلَّه: في القراءةِ وقتاً، وفي تلاوة المزامير وقتاً، وفي تعلُّم حاجات طعامِهم وقتاً آخر، وهكذا.
سؤال: «كيف يمكن للإنسانِ أن يفتشَ أفكارَه لينجوَ من السوءِ»؟
الجواب: تفتيشُ الأفكار هو هكذا: إذا أتاك فكرٌ فانظر أيَّ شيءٍ يَلِد. ولكي أُقرِّب لك المعنى أسوقُ إليك مثلاً: إذا اتفق وشتمك إنسانٌ، وأتاك الفكرُ أن تردَّ عليه، قل لفكرِك إن أنا رددتُ عليه أحزنته وأعثرته، فلأصبر أنا قليلاً والأمر يجوز بسلام. كذلك إن كنتَ واجداً على إنسانٍ أو في داخلك فكرٌ بالشرِّ من ناحيةِ إنسانٍ، فقل ما يأتي: «إن الذي يفكر بالشرِّ يعاقبه الله». وللحال يكفُّ الفكرُ الرديء. وفي الوقتِ الذي يعرض لك فيه الفكرُ فتِّشه واقطعه عنك. أما بخصوصِ الشهوةِ فإنها تحتاج انتباهاً كثيراً. كما قال الآباء: «إن أنت وجدتَ عقلَك محارَباً في الزنى فجيء به إلى القدسية. وإن حورب في الحنجرةِ فجيء به إلى الإمساك. وإن حورب في البغضةِ فجيء به إلى المحبة. وبذلك تصبح على الدوام في يقظةٍ وحذرٍ ونجاةٍ».
سؤال: «قل لي يا أبي عن الصلاةِ الدائمة، ما هو حدُّها؟ وهل ينبغي لي أن آخذ قانوناً إزاءها»؟
الجواب: افرح بالربِّ يا أخي، افرح بالربِّ يا حبيبي، افرح بالربِّ أيها الوارث معي. إن الصلاةَ الدائمة تكون للذين قد كَمِلوا وبلغوا حدَّ انعدامِ الأوجاعِ عنهم. لأنهم إذا بلغوا ذلك عرفوها، لأن الروحَ يعرِّفهم كلَّ شيء. إذ يقول الرسول: «إننا لا نعرف كيف نصلي كما ينبغي، ولكن الروحَ يطلب من أجلِنا بتنهدٍ لا يُنطق به». وماذا ينفعك إن وصفت لك مدينة رومية وأنت لم تدخلها بعد؟ إن الإنسانَ الساكت خاصة يستمر وليس عليه قانون، ولكن كن مثلَ إنسانٍ يجوع ويأكل ما يلذُّ له، فإذا جاءتك شهوةُ القراءةِ وأحسستَ تخشعاً في قلبك فاقرأ ما أمكنك. كذلك في تلاوةِ المزامير افعل هكذا وتمسَّك بالشكرِ وقل: «يا إلهي ارحمني». تقوَّ ولا تفزع. لأن مواهب الله ليس فيها رجعة. اترك عنك من اليومِ الاهتمامَ، لأنك بعدم اهتمامك بشيء من الأشياء تصير قريباً من الله ومن مدينة القديسين. وإذا لم تحسب نفسَك شيئاً، صيَّرك ذلك أهلاً للسُكنى في مدينةِ الأبكار، وإذا متَّ عن كلِّ إنسانٍ، صيَّرك ذلك مُتحداً بالله. وكلّما أطفأتَ حرارةَ الغضبِ ساعد ذلك على دوامِ سلامتِك
via مين غيرك بيحن عليا http://www.meen-8yrk.com/vb/showthread.php?t=2181&goto=newpost
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق