الخميس، 18 يوليو 2013

تفسير انجيل متي البشير الاصحاح الثالث


تفسير انجيل متي البشير الاصحاح الثالث














الإصحاح الثالث


كرازة يوحنا (عدد 1-12)



( قابل مرقس1:1-8؛ لوقا1:3-18)



«وفي تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية. قائلاً توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات. فإن هذا هو الذي قيل عنه بإشعياء النبيّ القائل صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب. اصنعوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً. ويُوحَنَّا هذا كان لِبَاسُهُ من وبر الإِبِلِ وعلى حقويه منطقة من جلد. وكان طَعَامُهُ جرادًا وعسلاً بريًا. حينئذ خرج إليه أورشليم وكل اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالأردن. واعتمدوا منه في الأردن معترفين بخطاياهم». (عدد 1-6).

في تلك الأيام التي كان المسيح فيها ساكنًا في الناصرة (إصحاح 23:2). «جاء يوحنا المعمدان يكرز

في برية اليهودية». وهي الكورة المحيطة بالأردن ( لوقا 3:3). وكرازة يوحنا المعمدان فيها، لها دلالتها في فكر الله. فهي كبرية، تُذَكِّر الأمة بمحبتها الأولى يوم اتبعوا الرب إلى البرية (إرميا2:2) فكانت أنسب مكان لدعوة الأمة إلى التوبة، أو الرجوع إلى تلك المحبة الأولى (هوشع 14:2). كذلك هي مكان تمييز التائبين عن غير التائبين. وعزل التائبين لله عن غيرهم. اقرأ (خروج 35:20–38). « قائلاً، توبوا»(عدد 2) التوبة واجب حتمي على الإنسان الساقط، ولا يمكن له أن يحصل على بركة من الله بدونها (إشعياء 7:55) ولا يزال الله يعمل بكلمته وبروحه القدوس ليأتي بالإنسان إلى التوبة، كما أنه يخلق فيه كل شيء صالح، ولكن عمل الله هذا لا ينقض واجب الإنسان من نحو التوبة. ويُصدق هذا على حالة البشر جميعًا. وعليه إن كان لله شعب كاليهود، لهم امتيازات منه، دون غيرهم، وحالتهم الروحية لا تطابق امتيازاتهم، فالتوبة هي أول واجباتهم، لأنه لو باركهم، لمجرد كونهم شعبه بغض النظر عن حالتهم الروحية، لكان بذلك مُصادقًا على شرورهم، وحاشا له!

وكان اليهود وقتئذ كالمسيحيين بالاسم الآن، مبتعدين عن الله. وعوضًا عن أن تكون حالتهم شهادة حسنة لاسمه، جلبت عليه الإهانة. «لأن اسم الله يُجدف عليه بسببكم بين الأمم، كما هو مكتوب» (رومية 24:2). كانوا يضجرون من نير الظلم، ومع ذلك افتخروا بنسبتهم الجسدية لإبراهيم ظانين أن الله مضطر أن يباركهم بحسب مواعيده وهم رافضون أقواله الأخرى التي من شأنها أن تُنخس ضمائرهم وتظهر لهم إلى أي حد قد اختلفت حالتهم الروحية عن مقامهم كشعب خاص لله في العالم. يمكن لله أن ينظر إلى شعبه وقت انحرافهم عنه ويخاطبهم باعتبار مركزهم الذي وضعهم فيه في بداءة معاملاته الخصوصية معهم، ويُذَكِّرْهم بابتعادهم عنه كقوله «وأَنَا قد غَرَسْتُكِ كَرْمَةَ سُوْرَقَ1 زرع حَقٍ كُلَّهَا. فكيف تحولت لي سُرُوغَ جِفَنْةٍ ‘أي أغصان كرمة’ غريبةٍ؟» (إرميا21:2 وانظر أيضًا إشعياء1:5–7). ويمكنه أيضًا أن يخاطبهم بالنظر إلى بركة موعود بها، وإلى عدم استعدادهم لامتلاكها بسبب سوء حالتهم. وبناء على ذلك يوبخهم على خطاياهم ويدعوهم إلى التوبة استعدادًا لنوال البركة. ويمكنه أن يستعمل الطريقتين معًا.

نرى أنه في الأنبياء غالبًا يستعمل الطريقة الأولى. وأما في كرازة يوحنا المعمدان فإنه يستعمل الثانية. فإن الملكوت المنتظر المُوعود به قد اقترب، ولكن ما هي حالة الذين انتظروه؟ هل هم مستعدون له أم لا؟ وأما في حالة المسيحيين بالاسم فيجب أن نستعمل الطريقتين. بحيث أننا نُذَكَّرْهم بحالة كنيسة الله في البداءة، وإلى أي حد قد انحطت. ثم ننادي لهم بقرب مجيء الرب، كقوله «هوذا العريس مُقبل فاخرجن للقائه» (مَتَّى 9:25) لأن هذا مما ينبههم إلى سوء حالتهم وعدم موافقتها لحضور الرب. فعلى أي حال لا يتقاضى الرب عن شرور شعبه.

«لأنه قد اقترب ملكوت السماوات». أي اقترب ظهور المسيا لأخذ المُلك. فيذكر ملكوت السماوات كشيء معروف ومُنتظر. وقد كان كذلك لأن الله سبق فتكلم بفم جميع الأنبياء منذ الدهر عن أوقات الفرج وأزمنة رد كل شيء (أعمال الرسل 19:3-21) وقد وردت في سفر دانيال ألفاظ نظير التي استعملها هنا يوحنا المعمدان ولا شك أن الملكوت الذي تنبأ عنه دانيال ونادى باقترابه يوحنا المعمدان، هو واحد إلا أننا سنرى أنه على هيئات مختلفة. والبشير مَتَّى هو وحده الذي يسميه «ملكوت السماوات» وهذا في تمام المُوافقة مع قصد الوحي في إنجيله، بحيث أنه يخبرنا عن حياة المسيح، الملك، باعتبار كونه ابن داود بن إبراهيم، حاضرًا في وسط إسرائيل ليقيم لهم مملكة السماء على الأرض، إذا هم تابوا.

لا يوجد ذكر لملوك وممالك في العالم القديم قبل الطوفان ولا بعد الطوفان إلى وقت تبلبل لسان البشر وتشتتهم. بعد ذلك سمح الله بتنظيم ممالك وإقامة ملوك، ولكن الملوك ورعاياهم سرعان ما نسوا الإله الواحد الحقيقي واستُعبدوا للأوثان. ثم اختار الله رجلاً واحدًا هو إبراهيم ودعاه لكي يكون شاهدًا لوحدته (تكوين 1:12؛ أعمال 2:7، 3)، وأعطاه المواعيد بالبركة لنسله ولجميع الأمم أيضًا (تكوين 17:22، 18) ولكن بدون إشارة، لرياسة سياسية إلا بأن نسله يمتلكون أبواب أعدائهم. ثم أصبح نسل إبراهيم في عبودية قاسية في أرض مصر (تكوين 46؛ خروج 1-3). وبعد زمان أفتقدهم الله وخلصهم من مصر وأسكنهم في أرض كنعان بحسب وعده لإبراهيم (تكوين 12:15-21) وصار الله مَلِكْهم وبعد أن ضجروا من سياسته (صموئيل الأول 8) أعطاهم مَلِكًا وجعل عبده داود مصدرًا للحقوق المَلَكِية (صموئيل الثاني 7:5). وقيل عن سليمان أنه جلس على كرسي الرب مَلِكًا مكان داود أبيه (أخبار الأيام الأول 12:29). كان كرسي داود للرب ومع هذا فإلى ذلك الوقت لم يوجد ذكر لملكوت السماوات.

ثم من جهة الجالسين على عرش داود فقد أساءوا التصرف فنقل الرب عرشه الذي أجلسهم عليه من أورشليم وقد رآه النبي حزقيال خارجًا من أورشليم (حزقيال إصحاح 1). إننا لا نقول أن الله سَلَمْ عرشه للأمم بل ما نقوله هو أنه فقط سَلَمْ لهم السلطان السياسي على الأرض (مزمور 61:78) وكان نبوخذ ناصر أول من استلمه. وقِيلَ عن مدة بقاء هذا السلطان في أيدي ملوك الأمم «أزمنة الأمم» (لوقا 24:21)، وسوء تصرفهم في سياسة العالم معلوم، على أن الله لا يأخذ هذا السلطان منهم إلى أن تُكمل أزمنتهم عند مجيء الرب يسوع ثانية بقوة.

ولم تُعط النبوات الصريحة من جهة ملكوت السماوات إلا وقت دانيال بعد نقل عرش الرب من أورشليم وخراب بيت داود حسب ترتيبه الأول. على أن دانيال لم يذكر أن هذا الملكوت سيُقام فعلاً إلا عند انتهاء أزمنة الأمم واسترداد السلطان من أيديهم إلى صاحب الحق فيه وهو المسيح في مجيئه الثاني ( انظر دانيال 44:2، 45؛ 18:7). أما من جهة المسيح في مجيئه الأول فلم يذكر دانيال شيئًا سوى أنه «يُقطع وليس له» (إصحاح 26:9)، أي أنه لا يأخذ الملكوت في ذلك الوقت.

وإن قِيلَ كيف يمكن أن يكون الملكوت الذي تنبأ عنه دانيال قد اقترب وقت كرازة يوحنا المعمدان، مع أنه كان ضروريًا أن المسيح يُقطع ولا يأخذ الملكوت؟ أقول إن أفكار الله وطرقه ليست كأفكارنا وطرقنا ويجب أن نتعلم منه ولا نعلٍّمه ماذا أو كيف يتكلم. لقد رتب أقواله أحسن ترتيب فلنلاحظ طريق الوحي من الأول. مثلا لما نطق الله بالحكم على الحية الذي تضمن الوعد من جهة نسل المرأة لا يتضح من ظاهر الكلام أنه لابد من مرور أجيال عديدة قبل تتميمه. وربما ظنت حواء أن قايين هو النسل الموعود به ( انظر تكوين 1:4) وهكذا الحال مع جانب كبير من المواعيد والنبوات.

لا يظن القارئ أن الله يخدع المؤمنين بإظهاره الشيء المرجو كأنه قريب بينما هو بعيد، ولكنه يعطي إعلاناته لهم بالطريقة المناسبة بحسب فكره لتقوية إيمانهم وامتحان صبرهم. هكذا عمل في النبوات المتعلقة بمجيء المسيح الأول. وأيضًا في الوعد برجوعه ثانية. والرسول بطرس يجاوب كل معترض جوابًا قاطعًا في قوله «ولكن لا يَخْفَ عليكم هذا الشيء الواحد أيها الأحباء، أن يومًا واحد عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد. لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ» (بطرس الثانية 8:3،9). نعم. أن ألف سنة عند الرب كيوم واحد عندنا نحن. ولا يمكن للكائن منذ الأزل وإلى الأبد أن يُقيم وزنًا لمرور الزمن. نحن ننظر إلى حوادث العالم ونحسبها مهمة جدًا، ولكنها ليست هكذا عند «الجالس على كرة الأرض وسكانها كَاُلْجُنْدُبِ. الذي يَنْشُرُ السماوات كَسَرَادِقَ وَيَبْسُطُهَا كخيمةٍ للسكنِ. الذي يجعل العظماء لا شيئًا وَيُصَيّرُ قضاة الأرض كالباطل» (إشعياء 22:40، 23).

ثم إننا لو أمعنا النظر في كلام دانيال لرأينا أنه يشير إلى وجود مدة بين قطع المسيح وبين إقامة الملكوت بالفعل وقت سحق التمثال العظيم المكني به عن نظام السياسة في يد الأمم، لأنه يترك زمانًا غير محدود بين قطع المسيح وبداءة الأسبوع الأخير الذي ينتهي بإقامة الملكوت. وهذا الأسبوع كناية عن سبع سنين، انظر(إصحاح 20:9-27). فبعد التسعة والستين أسبوعًا يُقطع المسيح. ثم بعد الأسبوع الأخير الباقي من السبعين سيُؤتى بالبركة لشعب دانيال. ولكنه لا يُذكر وقتًا معينًا لبداءة هذا الأسبوع الأخير. ولا توجد إشارة إلى طول هذه المدة، لأن الله قد أبقاها في سلطانه، كما أبقى سائر الأزمنة والأوقات في سلطانه (أعمال 7:1) إنه من الأمور الواضحة أن الرسول بطرس أنبأ اليهود بعد يوم الخمسين أن الله سيرسل لهم يسوع المسيح. ولكن كلامه في ذلك الشأن ليس وعدًا مطلقًا لأنه علقه بشرط توبتهم (أعمال الرسل 17:3-24).

ينبغي أن نُميز بين المواعيد المطلقة، والمواعيد الشرطية ولكن في كلتا الحالتين، فإن المُوعود به حقيقي، ويجوز لنا أن نقول إن كان الله يعطي شعبه وعدًا شرطيًا فهو يستطيع أن يجد طريقًا لإتمامه لو كُمِلَ الشرط الموضوع عليهم دون أن يخالف شيئًا مما هو قاصد أن يجريه. كان ممكنًا لإرميا النبي أن يقول لسكان أورشليم أنه إن تابوا يُبْقِيهُمْ الله في مدينتهم مع أن سبيهم إلى بابل تُنبئ عنه قبل ذلك بزمان طويل (عاموس 27:5).

الإنسان يدَّعي الفلسفة في دائرة أفكاره القاصرة ويقيم اعتراضات على معاملات إلهية كهذه كأنه يقدر أن يحرمه سبحانه وتعالي حرية العمل ولكن الله ليس محصورًا في طريق واحدة، وإن كان الله يسلك طريقًا ما، لا يجوز لنا أن نقول أنه لم يكن مُمكنًا له، لو شاء أن يسلك طريقًا أخرى. انظر إلى وعده المُطلق لنا بإرسال يسوع المسيح ثانية. فإننا نعرف أنه قد أُعطيّ للكنيسة من البداءة، ولم يكن هناك أي مانع لإتمامه سوى أناة الله على الخطاة المساكين من يوم إلى آخر (بطرس الثانية 8:3، 9) فكم بالأحرى لا يوجد مانع لإتمام النبوات من جهة ممالك العالم، فإن الله قادر أن يتممها بأسرع وقت، أو يتأنى إذا شاء.

أخيرًا، لم يَقُلْ يوحنا المعمدان أن ملكوت السماوات قد حضر، بل أنه «قد اقترب» فقط، ودعا إسرائيل إلى التوبة، استعدادًا له. ولم يَقُلْ الرسول بطرس أن أوقات الفرج قد أتت، بل أنها ستأتي إذا هم تابوا (أعمال 19:3). ويجوز لنا أن نقول أنهم لو تابوا لكان الله قادرًا أن يتمم وعده لهم، ولا يُخالف شيئًا من نبوات دانيال.

ثم من جهة معنى ملكوت السماوات، فنلاحظ أن كلام يوحنا عام ولا يوضح كيفية الملكوت. سنرى أنه اتخذ هيئة سرية بعد رفض المسيح، ولكن ذلك متعلق بإعلانات أخرى، ولا دخل له في الكلام الذي نحن في صدده الآن. ليس معنى ملكوت السماوات، نظامًا سياسيًا في العالم، كالممالك العالمية، بل يقصد به سلطة السماوات على الأرض.

صرح يوحنا المعمدان أن الوقت لابتداء سلطة السماوات قد اقتربت، وقد تعلمنا من مواضع أخرى أنه لابد أن السماوات تملك ملكًا منتظمًا ظاهرًا (دانيال 44:2). ولكن يوحنا إنما نادى بقرب زمان تسلط السماوات، بدون ذكر كيفيته وتفاصيله. لأن الذي كان يهمه أكثر في خدمته هو أولاً تقديم الشهادة لحضور المَلِكْ الحقيقي، ابن داود، ابن إبراهيم. وثانيًا تهيئة الطريق له بتوبة شعبه.

«فإن هذا هو الذي قِيلَ عنه بإشعياء النبي… الخ» (عدد 3) هذه شهادة الوحي عن يوحنا، لا شهادة يوحنا لنفسه. غير أنه اقتبس هذا الكلام (يوحنا 23:1)، وخصصه لنفسه إجابة للذين سألوه قائلين«فماذا تقول عن نفسك ؟» فليس هو، حسب إنجيل مَتَّى، سوى «صوت صارخ في البرية أَعِدُّوا طريق الرب. اصنعوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً» هذه النبوة واردة في (إشعياء 3:40) حيث ورد القول «صوت صارخ في البرية أَعِدُّوا طريق الرب. قوموا في القفر سبيلاً لإلهنا». ونلاحظ هنا أن مَتَّى يترك لفظة «لإلهنا»، وله قصد في ذلك لأن كلام النبي إشعياء إنما يتم تمامًا عند مجيء المسيح ثانية في مجده، لما تكون أورشليم قد قبلت من يد الرب ضعفين عن كل خطاياها. ويكون أولادها التائبون مستعدين لقبوله كإلههم (إشعياء 1:40، 2) فيقولون «هوذا هذا إلهنا انتظرناه فخلصنا. هذا هو الرب انتظرناه نبتهج ونفرح بخلاصه» (إشعياء 9:25).

«ويوحنا هذا كان لباسه من وبر الإبل … الخ » (عدد 4). ثم من جهة عيشة يوحنا المعمدان نرى أن لباسه كان كباقي الأنبياء، وقد عاش في البراري، منفصلاً عن الشعب، للشهادة ضد سوء حالتهم وأكل الجراد وهو ما وجدته يده في البرية، وصرحت بأكله الشريعة (لاويين 22:11) وكسكان البادية لبس الوبر لا الثياب الناعمة كالساكنين في بيوت الملوك (إصحاح 7:11، 8) لأن عيشة الترف كانت لرعاة إسرائيل الذين كانوا يرعون أنفسهم تاركين الغنم.

«حينئذ خرج إليه أورشليم وكل اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالأردن» (ع5) كانت لكرازة المعمدان فاعلية عظيمة، لأنها أنهضت كثيرين فخرجوا إليه «معترفين بخطاياهم» (عدد 6) فأفرزهم عن الآخرين بمعموديته، إذ كانت الدينونة مقبلة على الأمة الخائنة (إشعياء 4:1؛ إرميا 20:3).

«فلما رأى كثيرين من الفريسيين والصدوقيين يأتون إلى معموديته قال لهم يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي؟ فاصنعوا أثمار تليق بالتوبة ولا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أبًا. لأني أقول لكم أن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادًا لإبراهيم والآن قد وُضعت الفأس على أصل الشجر. فكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تُقطع وتلقى في النار» (عدد 7–10).

يتضح من مواضع أخرى أن هؤلاء لم يحضروا بقصد الاستفادة لأنهم رفضوا معمودية يوحنا للتوبة

(لوقا 29:7،30) ومنهم من قبلها قبولاً صوريًا ظنًا منهم أن ذلك يكفي لأن ينجيهم من الغضب فلما رآهم يوحنا هكذا لم يقرهم على أنهم أولاد إبراهيم بل لقبهم بـ«أولاد الأفاعي» بسبب شرهم، وتعاليمهم السامة، وتحايلهم على الهرب من الغضب الآتي بقبولهم معموديته بغير توبة، وسألهم من أراهم أن يهربوا من الغضب الآتي، وهو الغضب الذي كانوا يعلمون من التوراة أنه يأتي على الأشرار عند ظهور المسيح (قابل ملاخي 1:3-5،1:4، 5) والذي تَخَوَّفوا من وقوعه عليهم قد وقع عليهم فعلاً كأُمة. انظر قول بولس «ولكن قد أدركهم الغضب إلى النهاية» (تسالونيكي الأولى 16:2).

«ولا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أبًا» أي أنه عند إتيان هذا الغضب لا ينفعهم انتسابهم لإبراهيم، لأنه لو احتاج الله أولادًا لإبراهيم، يتمم معهم مواعيده، لاستطاع أن يقطع أولئك العديمي الثمر ويقيم آخرين من الحجارة يأتون له بثمر. والقصد من هذا الكلام هو إيضاح عدم مسرة الله بهم وقدرته على أن يتمم مواعيده بطرق بعيدة عن أفكار المتكلين على امتيازاتهم مع رفضهم للتوبة وأثمارها. وليس في كلامه إشارة إلى دعوة الأمم بالإنجيل وقبولهم الإيمان المسيحي، لأن هذا الموضوع لا يتعلق بكرازة يوحنا المعمدان.

«والآن قد وُضعت الفأس على أصل الشجر» (عدد 10) هذا كلام مجازي يفيد التهديد بالقطع. ما أعظم لُطف الله وطول أناته! أنه لا يُجْرِي القصاص إن لم يُنبِّه المذنبين أولاً. وهكذا الحال مع جمهور المسيحيين بالاسم الآن، لأن آلات القطع موضوعة على أصل الشجر، مع أن أناة الله لا زالت تنتظر، وكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تُقطع وتُلقى في النار. هذا هو حُكم الله غير المتغير عندما يدين شعبه (انظر رؤيا 1:2-10).

«أنا أُعَمَّدُكُمْ بماءٍ للتوبة. ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مِنّيِ الذي لست أهلاً أن أحمل حذاءه. هو سيعمدكم بالروح القدس ونار. الذي رَفْشُهُ في يده وَسَيُنَقّي بيدره ويجمع قمحه إلى المخزن. وأما التبن فيحرقه بنار لا تُطفأ» (عدد 11، 12).

من قُول الرسول عن الشعب قديمًا «اعتمدوا لموسى في السحابة وفي البحر» (كورنثوس الأولى 2:10). ومن قُول الفريسيين للمعمدان «فما بالك تُعَمِّدُ إن كنت لَسْتَ المسيح ولا إيليَّا ولا النَّبِيَّ؟» (يوحنا 25:1) ومن قُول اليهود عن الرب يسوع أنه «يصير وَيُعَمِّدُ تلاميذ أكثر من يوحنا» (يوحنا 1:4)، يبدو أن اليهود كانوا يعرفون المعمودية كعلامة تخصص المُعَمَّدين كأتباع وتلاميذ للقادة والمعلمين.

واللفظة اليونانية المترجمة «عماد» معان أوسع من العماد لأنها تفيد التغطيس، والصبغ، إلى غير ذلك. غير أن لفظة «عماد» اصطلاح قد اصطلح عليه المسيحيون للدلالة على العلامة التي توضع على من أقر بإيمانه المسيحي جهارًا فلذلك لا نقدر أن نتوسع فيها إلى معان مجازية كالأصلية وأما المقابلة هنا فليست بين معمودية يوحنا، وبين المعمودية المسيحية باسم الآب والابن والروح القدس، بل هي بين معمودية التوبة الجارية على يد يوحنا وبين ما سيجرى على يد الذي هو أقوى وأكثر أهلية منه. كان يوحنا يُعَمَّدُ بماء للتوبة، أي أنه عَمَّدَهم لكونهم تائبين، أو نظرًا إلى توبتهم. وأما يسوع فيستطيع أن يُعَمَّدُ لا بالماء فقط، بل أيضًا بالروح القدس ونار، فَيُعَمَّدُ بشيئين، أو يُجْرِي عملين، وهذا برهان على أفضلية شخصه.

فأولاً– يُعَمَّدُ بالروح القدس، أي يمنحه للمؤمنين به، مُخصصًا إياهم بنواله كجسد واحد له. وهذا ما صار بعد صعوده إلى السماء (انظر يوحنا 37:7-39؛ 7:16؛ أعمال 4:1، 5؛ 4:2، 18، 38؛ 32:5؛ كورنثوس الأولى 13:12).

هذه وشهادات أخري تُصرح بأن هذه المعمودية، أو العطية، هي للمؤمنين فقط. وتُعطي لهم من المسيح بعد تمجيده. وأن كان للروح القدس عمل أيضًا في غير المؤمنين إذ يبكتهم على الخطية (يوحنا 8:16-11) ولكن هذا لا يُقال عنه معمودية.

ثانيًا– يُعَمَّدُ بنار أيضًا. أي أنه يُجْرِي الدينونة «الآب لا يدين أحدًا بل قد أعطي كل الدينونة للابن» (يوحنا 22:5). والنار كناية عن أجراء الغضب أو الدينونة. راجع الكلام الذي نحن بصدده، فتري أنها مذكورة ثلاث مرات، متصفة فيها بصفات تؤكد أن معناها الدينونة فأنها تأكل كل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا (عدد 10)، وتحرق التبن، ولا تُطفأ (عدد 11). فإذن، معناها واضح من القرائن.1

«الذي رَفْشُهُ في يديه وَسَيُنَقِّي بيدره» الرَفْشُ هو المذراة. ويُكني بالبيدر هنا عن إسرائيل. وتنقيته تُجرى استعدادًا لعملين آخرين هما جمع القمح إلى المخزن، وإحراق التبن بنار لا تطفأ. فأذن معمودية الروح القدس هي لأبناء الملكوت (مَتَّى 38:13) أو المؤمنين، المكني عنهم بالقمح، وقد تم ذلك من يوم الخمسين فصاعدًا، حين أعطاهم المسيح المُمُجد الروح القدس وضمهم معًا ككنيسة له، مُفرزًا إياهم عن الأمة غير التائبة، السائرة بخطوات سريعة إلى الدينونة (أعمال 40:2-47).

وقد جرت تلك التنقية أولاً بخدمة المسيح، ثم بخدمة رسله وخدامه، في وسط إسرائيل، لأنها كانت تهيئ البقية التائبة لقبول الروح القدس، وتترك الآخرين بلا عذر، للقصاص الذي استوجبته خطاياهم. لا أقول أن المخزن بحصر اللفظ كناية عن الكنيسة، أو عن السماء، أو عن الملك، إنما يكني به عن حفظ القمح على وجه الإطلاق بأي شكل وفي أي زمان.



معمودية المسيح




(عدد 13–15؛ مرقس9:1-11؛ لوقا21:3-23)



«حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منه ولكن يوحنا منعه قائلاً أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إلى؟ فأجاب يسوع وقال له اسمح الآن لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر. حينئذ سمح له» (عدد 13–15).

كانت معمودية يوحنا للتوبة فلما حضر المسيح ليعتمد منه منعه إقرارًا بعظمة شخصه قائلاً «أنا مُحتاج أن اعتمد منك». لنلاحظ الفرق بين ما جاء في إنجيل مَتَّى وما جاء في إنجيل يوحنا. فإن مَتَّى لا يذكر شهادة يوحنا المعمدان للمسيح كحمل الله. وابن الله انظر (يوحنا 29:1-34) حيث يُقال أيضًا «وأنا لم أكن أعرفه لكن الذي أرسلني لأُعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلاً ومُستقرًا عليه فهذا هو الذي يُعَمِّدُ بالروح القدس. وأنا رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله». وأما في مَتَّى فنرى أن يوحنا عرفه قبل حلول الروح القدس عليه واعترف بأفضلية شخصه. فيوجد فرق بينهما، ولكن ليست هناك مضادة أو اختلاف. كان يوحنا المعمدان قد عرف المسيح من قبل ولكن ليس في صفته كالمسيح أو كابن الله، بل كالإنسان البار، وامتنع عن أن يُعَمَّدُه بالنظر إلى أفضلية شخصه عليه. وهذا قبلما رأى الروح نازلاً ومستقرًا عليه، لكنه عاد وخضع لقول الرب «اسمح الآن لأنه هكذا يليق بنا أن نُكَمِّلْ كل بر» أي كل ما فُرض على كل منهما في خدمته. كانت الخطية هي السبب في تَعْمِّيد الآخرين، أما هو فلتكميل كل بر. لأنه طلب المعمودية خضوعًا لإرادة الذي أرسله كما عمل جميع أعماله الأخرى. فنرى الرب هنا آخذًا مقامه الجهاري بين الناس، أو بالحري بين التائبين في إسرائيل. كان ابن داود، ابن إبراهيم، ولكنه لم يُطالب بحقوقه الملكية أولاً، بل اتخذ مقامًا وضيعًا في وسط الذين اعتمدوا بمعمودية التوبة. صار هؤلاء أشجارًا جيدة، وأول ثمر ظهر فيهم هو توبتهم، واعترافهم باعتمادهم بأنهم يستحقون القطع ويلتمسون الحياة. لقد عملت فيهم نعمة الله، وصادق المسيح على هذا العمل، إذ رافقهم كمُمَثل لهم في الطريق التي قادهم الروح القدس فيها. انظر كلامه بروح النبوة في (مزمور 16) حيث يتكلم كإنسان خاضع لله ومُتوكل عليه «احفظني يا الله لأني عليك توكلت. قلت للرب أنت سيدي خيري لا شيء غيرك. القديسون الذين في الأرض والأفاضل كل مسرتي بهم» (عدد 1، 2). فقد كان القديسون هم التائبين المرتعدين من كلام الله. والذين نظر إليهم أخذ مقامه في وسطهم ليقودهم ويعتني بهم كالراعي الصالح الذي دخل من باب الخراف. وإذ كَمَّلَ كل ما فُرض عليه أخذ البواب يفتح له. ويُنبّه الخراف لكي تسمع له (يوحنا 2:10، 3) كان هو الرب يهوه. صاحب البيدر. والعتيد أن ينقيه. ولكنه أظهر لطفًا لا يُوصف نحو التائبين، وطول أناة نحو الآخرين. كان يوحنا قد حضر طالبًا ثمرًا من إسرائيل التينة المكتسية ورقًا، ولكنها عديمة الثمر (إصحاح 19:21) وعاش منفصلاً عنهم لسوء حالتهم. ولم يختلط معهم، لئلا يظهر كأنه مثلهم. وأما يسوع فكان يستطيع أن يمس الأبرص. وعوضًا عن أن يتنجس به، يطهره (إصحاح 3:8).

«فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء وإذا السماوات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلاً مثل حمامه وآتيًا عليه وصوت من السماء1 قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت»2 (عدد 16، 17).

لما اعتمد يسوع انفتحت له السماوات، شهادة لرضاها عنه. لم تكن قد انفتحت قبل ذلك لإنسان على الأرض، لأنه لم يوجد أحد من البشر، أمكن لله أن ينظر إليه بالرضى التام، إلى أن وقف أمامه ابنه الحبيب، إنسانًا وديعًا مطيعًا، وبلا خطية « الرب من السماء أشرف على بني البشر لينظر هل من فاهم طالب الله». وشهد أن «الكل قد زاغوا معًا وفسدوا. ليس من يعمل صلاحًا، ليس ولا واحد» (مزمور 1:14-3). صحيح أن نعمته قد عملت في البعض وأنتجت أثمارًا نفيسة، ولكن الفضل لها، وليس لهم. وأما انفتاح السماوات ليسوع، فهو شهادة لكمال شخصه وللنسبة الفريدة التي له مع الآب كابنه الحبيب. لم تصيره السماوات كاملا، ولم ترفعه إلى هذه النسبة، بل وجدته هكذا. فصادقت عليه. كانت هناك شهادات له من ِقبل الله عندما حبل به، ثم بعد ولادته أيضًا. وأما الشهادة المذكورة هنا. فصارت له لما أخذ مقامه علانية بين التائبين في إسرائيل وهو ابن الله الوحيد القدوس تمييزًا له عن أولاد آدم الخطاة.

حل عليه الروح القدس بهيئة ظاهرة. للدلالة على كيفية خدمته. لقد مسحه الله مسحة خصوصية استعدادًا لهذه الخدمة (أعمال 38:10) لأنه لم يفعل شيئًا من نفسه كإنسان. بل استمد كل قوته من الآب (انظر يوحنا 27:6).

يُسمى حلول الروح القدس عليه «مسحة» بالنظر إلى خدمته. ويسمى أيضًا «ختمًا» باعتبار كونه مصادقة الله عليه كابنه.

ونحن أيضًا نعتمد بالروح القدس. ولكنه إنما يسكن فينا إكرامًا لعمل الفداء بدم المسيح. وليس شهادة لصلاحنا بتة. ويقال لسكناه فينا «مسحة» «وختم» أيضًا فيصير فينا المسحة الثابتة. لتُعلمنا كل شيء. وتقوينا لكل عمل صالح (يوحنا الأولى 27:2؛ كورنثوس الثانية 21:1). وختمًا أيضًا باعتباره مصادقة الله علينا كأبنائه (كورنثوس الثانية 22:1)، وعربونًا لتغيير أجسادنا ودخولنا الميراث (أفسس 13:1، 14؛ 30:4؛ كورنثوس الثانية 5:5).

واضح أننا نصير أولاد الله بالولادة الثانية من فوق انظر(يوحنا 13:1؛ 1:3-8) وشهادات أخرى كثيرة. وعند صيرورتنا أولادًا، يضع الله في الحال ختمه علينا، ليكون فينا «روح النبوة». ولكي يميزنا عن العالم «ثم بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخًا يا أبا الآب» (غلاطية 6:4؛ أفسس 13:1؛ 30:4) لم يكن الروح القدس في سيدنا المبارك كروح النبوة. لأنه كان بذاته الابن الوحيد للأب منذ الأزل. وكان على علم تام بنسبته للأب قبل حلول الروح القدس عليه كإنسان (انظر لوقا 49:2). أما نحن فكنا أبناء الغضب بالطبيعة، وعندما نصير أولاد الله بالميلاد الثاني نُعطي الروح القدس في الحال ليؤكد لنا نسبتنا الجديدة مع الله (غلاطية 1:4-7).

لم يُقل الكتاب أيضًا أن الروح القدس حل على المسيح «كعربون»، لأنه عرف أن المجد والميراث له. وأما نحن فنحتاج إليه كعربون لكي يحقق لنا أن المجد والميراث محفوظان لنا ونحن محفوظون لهما. (أفسس 14:1؛ رومية 16:8، 17).

وأيضًا، لما حل على المسيح، اتخذ هيئة جسمية، مثل حمامة للدلالة على طهارته ومحبته ووداعته،ووصفًا لخدمته وذبيحته ولكن لما حل على التلاميذ يوم الخمسين ظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار. وهذا، كما من دلالة على وظيفته فيهم لنشر بشارة الخلاص لكل إنسان بلغته، وبطريقة تبكته على خطاياه (أعمال الرسل 37:2؛ إرميا 28:23، 29).

«وإذا السماوات قد انفتحت له» انفتاح السماوات مذكور أربع مرات.

أوًلا : عند معمودية يسوع المسيح، حيث نراه كابن الله، إنسانًا على الأرض آخذًا مقامه بين التائبين في إسرائيل. انفتحت له لأنه موضوع مسرتها. لم تقدم له إلى غرضًا لكي ينظر إليه كأنه يحتاج غرض سماوي لكي يتمثل به. أما نحن، إذا نظرنا إلى السماء، فلأننا نحتاج إلى منظر، أو غرض، ننظر إليه فيها، ونسعى وراءه، ونتمثل به (كورنثوس الثانية 18:3؛ فيلبي 20:3). فالسماوات إنما تنفتح لنظر إيماننا، لكي ترينا هناك ما ينظر إليه. وأما يسوع فانفتحت له لكي تنظر هي إليه كمنظر عجيب فريد على الأرض تجد فيه سرورها.

ثانيًا : كانت السماوات مفتوحة عليه كابن الإنسان صاحب كل السلطان في السماء والأرض، والملائكة والسلاطين مخضعة له (يوحنا 51:1 قابل أيضًا عبرانيين 14:1؛ بطرس الأولى 22:3) لأن الملائكة إنما يمارسون خدمتهم إطاعة لأمره. ويعرف ذلك بالإيمان كقوله «الحق الحق أقول لكم من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان».

ثالثًا : قال إستفانوس وهو مُمْتلئ من الروح القدس «ها أنا انظر السماوات مفتوحة وابن الإنسان قائمًا عن يمين الله» (أعمال 56:7) فلم تكن السماوات مفتوحة لتشهد شهادة لإستفانوس، أو لتراه، بل لكي تريه الرب يسوع في المجد كالغرض الوحيد لنظر إيمان قديسيه وهم على الأرض.

رابعًا : نرى الرب يسوع في (رؤيا 11:19-16) خارجًا من السماء المفتوحة كملك الملوك ورب الأرباب لكي يدين ويصنع حربًا مع عظماء الأرض الذين رفضوا سلطانه.

صحيح أنه قيل في (حزقيال 1:1) أن «السماوات انفتحت» ولكن كان ذلك في «رؤى الله» فقط، كما يوضح لنا ذلك النبي نفسه. فهو قد رأى الله في صفاته كإله القضاء. وعلى ذلك فلانفتاح السماوات كشهادة لشخص المسيح، وأمجاده، معنى هام حسب كلمة الله.

لقد انفتحت السماوات لإيماننا، لا بل قد صرنا بالروح القدس، المُعطى لنا، متحدين مع ذلك الذين أجتازُ السماوات (عبرانيين 14:4؛ 26:7؛ أفسس 10:4)وجلس عن يمين الله (أفسس 20:1؛ 6:2)، وبينما هو هناك، ونحن على الأرض ننظر إليه بوجه مكشوف، ونتغير إلى تلك الصورة عينها (كورنثوس الثانية 18:3)، لأنه هو غرضنا الوحيد الذي ننظر إليه ونتمثل به. وله الفضل والتقدم في كل شيء.

أخيرًا أقول أن تثليث الأقانيم الإلهية لم يعلن إعلانًا كامًلا واضحًا قبل معمودية ربنا يسوع المسيح. لأننا نرى هنا، الآب، والابن، والروح القدس؛ مذكورين معًا، ومنتسبين بعضهم لبعض، ولكل منهم عمل. كان الابن على الأرض، الله ظاهرًا في الجسد. والآب يشهد له بصوت مسموع من السماء، وروح الله نازًلا بهيئة جسمية ليستقر عليه.

لاشك أن الروح القدس مذكور كثيرًا في العهد القديم. ولكن ليس في علاقته بالتثليث، لان القصد الأول للوحي حينذاك هو أن يعلن وحدة الله. وعدا ذلك لم يعلن الله نفسه قبل التجسد إعلانًا تامًا. بل جزئيًا فقط، لأنه لم يكن في الإمكان أن يعلن الله إعلانًا تامًا قبل أن يصير الكلمة جسدًا. لقد صار الحق، والنعمة أيضًا، بيسوع المسيح (يوحنا 17:1) والحق هو النور الكامل الذي يعلن لنا الله في حقيقته كالمثلث الأقانيم. ويُظهر أيضًا حالة الإنسان كما هي. فنقدر أن نقول أن أول مرة أعلن الله فيها نفسه إعلانًا تامًا كانت هذه المرة التي أعلن فيها ذاته كالمثلث الأقانيم.

لقد أعلن الله نفسه قبل ذلك من حيث الوحدة بالمباينة مع الآلهة الكاذبة الكثيرة. وأما الثالوث، الكائن فلم يكن ليعرف إلا بحضور الابن وإذا أعلن الله لنا ثالوثه الأقدس في الكتاب المقدس، وهو جوهر المعتقد المسيحي. فنحن نقبله بالإيمان، لا بالعقل ولا نبحث فيه، كأننا نقدر أن ندركه. لأنه يفوق إدراكنا (قابل أيوب 26:36؛ 23:37؛ أمثال 4:30؛ مَتَّى 25:11-27)





via مين غيرك بيحن عليا http://www.meen-8yrk.com/vb/showthread.php?t=2346&goto=newpost

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق