العذراء مريم طفلة في الهيكل
للمتنيح الأنبا غريغوريوس
في اليوم الثالث من شهر كيهك القبطي (ويقابل الثالث عشر من شهر ديسمبر- كانون أول) تحتفل الكنيسة المقدسة بدخول العذراء مريم إلي الهيكل وهي طفلة, أكملت الثالثة من عمرها, لتنضم إلي زمرة الأطفال النذيرين في المكان المعد لهم في الدار الخارجية, خارج القدس وقدس الأقداس.
والمعروف أن (حنة) أم العذراء مريم كانت عاقرا ومر علي زواجها عدد من السنين ولم ترزق طفلا من زوجها يواقيم, فكانت لذلك حزينة حزنا شديدا, فقد كان العقم في ذلك الزمان عارا, وكان الناس يعيرون المرأة العقيم ويعتقدون أنه مغضوب عليها من الله. فشرعت (حنة) تصلي إلي الله بحرارة ومرارة كما فعلت حنة أم صموئيل (1 صموئيل 1:1-16), وقالت في صلاتها: (أسألك, أيها الإله الدائم وحده, الذي سمع صوت سارة زوجة أبينا إبراهيم وأعطاها إسحق بعد الكبر, وسمع لراحيل وأعطاها يوسف وبنيامين... أن تسمع صوت دعائي, أنا المسكينة الخالية من النسل, وتعطيني زرعا يسر به قلبي...وها أنا أنذر بين يديك يا إلهي أن النسل الذي تعطيني لا أدعه يمشي علي الأرض حتي أقدمه لهيكلك المقدس...) وفيما هي تصلي ظهر لها الملاك جبرائيل بنور سماوي, وقال لها: يا حنة, إن الله سمع لدعائك وصلواتك. وها أنت ستحبلين وتلدين ابنة مباركة, وسيكون لها الطوبي في جميع الأجيال, وفي كل أقطار المسكونة, ومنها يولد الخلاص من أسر إبليس, لآدم وذريته. فأجابت (حنة) الملاك جبرائيل وقالت: حي هو الرب, لو أنني رزقت بمولودة, كما قلت لي, لسوف أقدمها قربانا للرب الإله لتخدمه كل أيام حياتها في هيكله المقدس...
وحبلت (حنة) كقول الملاك جبرائيل, ووضعت بعد تسعة أشهر, طفلة وسمتها (مريم) MIRYAM, وأرضعتها من ثدييها لمدة ثلاث سنوات, وهي مدة الرضاعة القانونية التي يجب أن تحرص عليها كل أم, كما فعلت سارة مع إسحق ابنها, وكما فعلت حنة أم صموئيل النبي, فقد جاء في الكتاب المقدس علي فم أم أحد شهداء المكابيين تخاطب ابنها: ارحمني أنا أمك التي حملتك في بطنها تسعة أشهر, وأرضعتك ثلاث سنوات (2 المكابيين 7: 27).
وبرت (حنة) بوعدها, ووفت بنذرها, فلما أتمت فطام ابنتها (مريم), جاءت بها إلي الهيكل لتكون خادمة للرب في بيته, وكانت حنة تزور ابنتها من وقت إلي آخر تحمل إليها هداياها من طعام ولباس, إلي أن بلغت مريم الثامنة من عمرها فتوفيت أمها, وكان أبوها (يواقيم) قد توفي وكانت مريم في السادسة من عمرها, وتعيد الكنيسة لذكري نياحته أو وفاته في السابع من برمودة وهكذا أمست مريم العذراء في الهيكل يتيمة من أبويها, وظلت هناك في بيت الرب إلي أن اكتملت لها اثنتا عشرة سنة.
وقد وجدت مريم نعمة عند الكهنة وعند جميع الذين رأوها في الهيكل من الشعب, منذ طفولتها المبكرة فقد كان كل الناس يحبونها ويلمسون حياتها السمائية لدي تطلعهم إلي وجهها النوراني.
قضت مريم العذراء تسع سنوات من حياته بعد فطامها, عابدة في الهيكل تصلي وترتل وتسبح وتنشد الأناشيد الروحية, وكانت تصوم في هذه السن المبكرة وتعطي الفقراء والمساكين طعامها المخصص لها, فكانت الملائكة تشفق عليها وتأتيها بطعام سمائي.
ولما أدركت (مريم) سن البلوغ تشاور الكهنة في مصيرها حيث أنه لا يجوز لها أن تقيم في الهيكل بعد هذه السن, فأوعز الملاك في رؤيا الليل إلي زكريا الكاهن أن يجمع عصي رجال المدينة التي تنتمي إليها مريم الصبية, وأن يكتب علي كل عصا اسم صاحبها, وصنع زكريا ما أمره به الملاك, وفي اليوم التالي لوضعها في الهيكل أفرخت العصا المكتوب عليها اسم يوسف النجار, وأخرجت براعم. فتبين الكهنة بهذه المعجزة مشيئة الله في أن تكون (مريم) من نصيب (يوسف) النجار وهو عندئذ شيخ فوق التسعين من عمره, فقد مات يوسف ابن 111 سنة في حين كان السيد المسيح في السنة السادسة عشرة لتجسده (السنكسار تحت اليوم 26 من أبيب). فكانت عصا يوسف النجار التي أفرخت شبيهة بعصا هرون التي وضعها موسي النبي في الهيكل مع عصي جميع أسباط إسرائيل, وكتب علي كل عصا اسم صاحبها, وكتب اسم هرون علي عصا لاوي. (وضع موسي العصي أمام الرب في خيمة الشهادة, وفي الغد دخل موسي إلي خيمة الشهادة, وإذا عصا هرون لبيت لاوي قد أفرخت, أخرجت فروخا وأزهرت زهرا وأنضجت لوزا. فأخرج موسي جميع العصي من أمام الرب إلي جميع بني إسرائيل, فنظروا, وأخذ كل واحد عصاه). أما عصا هرون, فحفظت في داخل خيمة الشهادة وقال الرب لموسي: رد عصا هرون إلي, أمام الشهادة لأجل الحفظ, علامة... ففعل موسي كما أمره الرب. كذلك فعل) (سفر العدد 17:1-11).
من أجل هذا لقبت العذراء مريم في تسابيح الكنيسة وطقوسها بأنها (عصا هرون) لأن عصا (يوسف) النجار أفرخت فكانت علامة إلهية علي اختيار يوسف لمريم. ثم لأن عصا هرون أيضا ترمز إلي العذراء مريم, فالعصا الجافة لا تفرخ ولا تخرج براعم, لكن عصا هرون أفرخت من قبيل المعجزة, لتكون علامة من السماء علي اختيار هرون, للكهنوت, دون جميع أسباط بني إسرائيل هكذا (مريم) ولدت المسيح وهي عذراء. الأمر الذي لا يمكن حدوثه عادة, ولكنه حدث لمريم العذراء وحدها من دون جميع النساء.
وشاء الرب بالإضافة إلي ذلك أن حمامة بيضاء جميلة جاءت واستقرت علي رأس يوسف النجار, فكانت علامة أخري لتوكيد مشيئة الله في أن يكون يوسف النجار هو المختار الذي يحق له أن يأخذ مريم إلي حماه وإلي بيته.
علي أنه حرصا علي سمعة العذراء مريم التي سيأخذها (يوسف) إلي بيته رأي الكهنة وجوب عقد زواج رسمي بين يوسف ومريم, وكان هذا التصرف عملا حكيما بمشورة الله وتدبيره, حتي متي حبلت العذراء مريم, دون أن يكون بينها وبين يوسف عقد زواج رسمي, فلا ترجم كما أمرت الشريعة أن ترجم المرأة في هذه الحالة بوصفها زانية (يوحنا 8:5), (اللاويين 20:10), (التثنية 22:22).
وقد شهدت نصوص الإنجيل علي أن يوسف زوج مريم رسميا, ومريم زوجة ليوسف رسميا, وإن كانا في الحقيقة قد عاشا معا كأب عجوز في نحو التسعين من عمره مع إبنته وهي صبية في الثانية عشرة من عمرها.
قال الإنجيل للقديس متي (كان يوسف رجلها بارا) (متي 1:19), وكلمة (رجلها) تعني (زوجها), وتدل علي الاقتران بالزيجة, وليس مجرد الخطبة.
ثم إن الإنجيل المقدس يروي أن (يوسف) رأي علامات الحمل ظاهرة علي مريم فارتبك وهو يعلم أن هذا الحمل ليس منه, وكانت الشريعة تبيح له أن يجمع علي مريم شيوخ المدينة ويفضح أمرها فيحكمون عليها بالرجم ويضروبونها بالأحجار حتي تموت, لكن (يوسف) إذ كان رجلا بارا (لم يشأ أن يشهر أمرها, أراد أن يخلي سبيلها سرا) مكتفيا لبرارته وتقواه, بأن يطردها من بيته خفية دون أن يرجمها (ولكنه فيما كان يفكر في ذلك, إذا ملاك قد ظهر له في حلم قائلا: يا يوسف بن داود, لا تخف أن تستبقي مريم امرأتك, لأن الذي سيولد منها إنما هو من روح القدس, وستلد إبنا وتسميه يسوع, لأنه هو الذي يخلص شعبه من خطاياهم, وقد كان ذلك كله ليتم ما قاله الرب بفم النبي القائل: ها إن العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعي اسمه عمانوئيل, الذي تفسره الله معنا). فلما نهض يوسف من النوم فعل كما أمره ملاك الرب, واستبقي مريم امرأته (متي 1:19-24).
وهكذا نري نصوص الإنجيل ناطقة بأن مريم زوجة يوسف, وليست مجرد خطيبة, أو مخطوبة, ولو أنها بالفعل لم تعرفه ولم يعرفها معرفة الرجل لزوجته, ولهذا حرص الإنجيل علي أن يقول (ولم يعرفها حتي ولدت الابن) (متي 1:25) وذلك توكيدا لهذه الحقيقة أن العذراء مريم ولدت يسوع المسيح وهي عذراء بكر لم يمسها يوسف قبل أن تلد المسيح يسوع, وبالطبع لم يمسها من بعد.
أما وصف الإنجيل للعذراء مريم بأنها خطيبة ليوسف, فللدلالة علي أن يوسف - وإن كان زوجا رسميا لمريم بموجب العقد الرسمي بينهما في الهيكل علي يد الكهنة- لكنه لم يمس مريم بالفعل, وإنما كانت معه كابنة أو خطيبة, لا كزوجة.
قال الإنجيل للقديس لوقا وهو يروي حادثة الميلاد وظروفها التي اضطرت معها العذراء مريم- وهي حامل- لتسافر من الناصرة بإقليم الجليل إلي بيت لحم في إقليم اليهودية (فذهب الجميع لتسجيل أسمائهم, كل واحد في مدينته, ومن ثم ذهب يوسف أيضا من مدينة الناصرة التي بالجليل إلي مدينة داود المسماه بيت لحم التي باليهودية, إذ كان من بيت داود ومن عشيرته, ليسجل اسمه مع مريم (خطيبته) التي كانت حبلي. وفيما كانا هنالك حان موعد ولادتها, فولدت ابنها البكر, وقمطته وأضجعته في مذود, إذ لم يكن لهما مكان في الفندق) (لوقا 2:2-7).
فعلي الرغم من أن العذراء مريم كانت حاملا وعلي أهبة الوضع والولادة, مع ذلك وصفها الإنجيل بالنسبة ليوسف بأنها (خطيبته), وذلك توكيدا علي حقيقة بتوليتها وبكارتها, وأن يوسف لم يمسها كزوج, وإن كانت هي زوجته بموجب العقد الرسمي الذي عقده الكهنة في الهيكل, لكنها كانت بمثابة (خطيبته).
كذلك قال الإنجيل للقديس متي (أما ميلاد يسوع المسيح فكان هكذا: كانت أمه مريم مخطوبه ليوسف...) (متي 1:18).
والمعني واضح في جميع النصوص الإنجيلية أن يوسف عاش مع مريم, وهي في بيته, لا كزوج مع زوجته, بل كخطيب مع خطيبته, فهي زوجته رسما واسما, وخطيبته فعلا وعملا.

للمتنيح الأنبا غريغوريوس
في اليوم الثالث من شهر كيهك القبطي (ويقابل الثالث عشر من شهر ديسمبر- كانون أول) تحتفل الكنيسة المقدسة بدخول العذراء مريم إلي الهيكل وهي طفلة, أكملت الثالثة من عمرها, لتنضم إلي زمرة الأطفال النذيرين في المكان المعد لهم في الدار الخارجية, خارج القدس وقدس الأقداس.
والمعروف أن (حنة) أم العذراء مريم كانت عاقرا ومر علي زواجها عدد من السنين ولم ترزق طفلا من زوجها يواقيم, فكانت لذلك حزينة حزنا شديدا, فقد كان العقم في ذلك الزمان عارا, وكان الناس يعيرون المرأة العقيم ويعتقدون أنه مغضوب عليها من الله. فشرعت (حنة) تصلي إلي الله بحرارة ومرارة كما فعلت حنة أم صموئيل (1 صموئيل 1:1-16), وقالت في صلاتها: (أسألك, أيها الإله الدائم وحده, الذي سمع صوت سارة زوجة أبينا إبراهيم وأعطاها إسحق بعد الكبر, وسمع لراحيل وأعطاها يوسف وبنيامين... أن تسمع صوت دعائي, أنا المسكينة الخالية من النسل, وتعطيني زرعا يسر به قلبي...وها أنا أنذر بين يديك يا إلهي أن النسل الذي تعطيني لا أدعه يمشي علي الأرض حتي أقدمه لهيكلك المقدس...) وفيما هي تصلي ظهر لها الملاك جبرائيل بنور سماوي, وقال لها: يا حنة, إن الله سمع لدعائك وصلواتك. وها أنت ستحبلين وتلدين ابنة مباركة, وسيكون لها الطوبي في جميع الأجيال, وفي كل أقطار المسكونة, ومنها يولد الخلاص من أسر إبليس, لآدم وذريته. فأجابت (حنة) الملاك جبرائيل وقالت: حي هو الرب, لو أنني رزقت بمولودة, كما قلت لي, لسوف أقدمها قربانا للرب الإله لتخدمه كل أيام حياتها في هيكله المقدس...
وحبلت (حنة) كقول الملاك جبرائيل, ووضعت بعد تسعة أشهر, طفلة وسمتها (مريم) MIRYAM, وأرضعتها من ثدييها لمدة ثلاث سنوات, وهي مدة الرضاعة القانونية التي يجب أن تحرص عليها كل أم, كما فعلت سارة مع إسحق ابنها, وكما فعلت حنة أم صموئيل النبي, فقد جاء في الكتاب المقدس علي فم أم أحد شهداء المكابيين تخاطب ابنها: ارحمني أنا أمك التي حملتك في بطنها تسعة أشهر, وأرضعتك ثلاث سنوات (2 المكابيين 7: 27).
وبرت (حنة) بوعدها, ووفت بنذرها, فلما أتمت فطام ابنتها (مريم), جاءت بها إلي الهيكل لتكون خادمة للرب في بيته, وكانت حنة تزور ابنتها من وقت إلي آخر تحمل إليها هداياها من طعام ولباس, إلي أن بلغت مريم الثامنة من عمرها فتوفيت أمها, وكان أبوها (يواقيم) قد توفي وكانت مريم في السادسة من عمرها, وتعيد الكنيسة لذكري نياحته أو وفاته في السابع من برمودة وهكذا أمست مريم العذراء في الهيكل يتيمة من أبويها, وظلت هناك في بيت الرب إلي أن اكتملت لها اثنتا عشرة سنة.
وقد وجدت مريم نعمة عند الكهنة وعند جميع الذين رأوها في الهيكل من الشعب, منذ طفولتها المبكرة فقد كان كل الناس يحبونها ويلمسون حياتها السمائية لدي تطلعهم إلي وجهها النوراني.
قضت مريم العذراء تسع سنوات من حياته بعد فطامها, عابدة في الهيكل تصلي وترتل وتسبح وتنشد الأناشيد الروحية, وكانت تصوم في هذه السن المبكرة وتعطي الفقراء والمساكين طعامها المخصص لها, فكانت الملائكة تشفق عليها وتأتيها بطعام سمائي.
ولما أدركت (مريم) سن البلوغ تشاور الكهنة في مصيرها حيث أنه لا يجوز لها أن تقيم في الهيكل بعد هذه السن, فأوعز الملاك في رؤيا الليل إلي زكريا الكاهن أن يجمع عصي رجال المدينة التي تنتمي إليها مريم الصبية, وأن يكتب علي كل عصا اسم صاحبها, وصنع زكريا ما أمره به الملاك, وفي اليوم التالي لوضعها في الهيكل أفرخت العصا المكتوب عليها اسم يوسف النجار, وأخرجت براعم. فتبين الكهنة بهذه المعجزة مشيئة الله في أن تكون (مريم) من نصيب (يوسف) النجار وهو عندئذ شيخ فوق التسعين من عمره, فقد مات يوسف ابن 111 سنة في حين كان السيد المسيح في السنة السادسة عشرة لتجسده (السنكسار تحت اليوم 26 من أبيب). فكانت عصا يوسف النجار التي أفرخت شبيهة بعصا هرون التي وضعها موسي النبي في الهيكل مع عصي جميع أسباط إسرائيل, وكتب علي كل عصا اسم صاحبها, وكتب اسم هرون علي عصا لاوي. (وضع موسي العصي أمام الرب في خيمة الشهادة, وفي الغد دخل موسي إلي خيمة الشهادة, وإذا عصا هرون لبيت لاوي قد أفرخت, أخرجت فروخا وأزهرت زهرا وأنضجت لوزا. فأخرج موسي جميع العصي من أمام الرب إلي جميع بني إسرائيل, فنظروا, وأخذ كل واحد عصاه). أما عصا هرون, فحفظت في داخل خيمة الشهادة وقال الرب لموسي: رد عصا هرون إلي, أمام الشهادة لأجل الحفظ, علامة... ففعل موسي كما أمره الرب. كذلك فعل) (سفر العدد 17:1-11).
من أجل هذا لقبت العذراء مريم في تسابيح الكنيسة وطقوسها بأنها (عصا هرون) لأن عصا (يوسف) النجار أفرخت فكانت علامة إلهية علي اختيار يوسف لمريم. ثم لأن عصا هرون أيضا ترمز إلي العذراء مريم, فالعصا الجافة لا تفرخ ولا تخرج براعم, لكن عصا هرون أفرخت من قبيل المعجزة, لتكون علامة من السماء علي اختيار هرون, للكهنوت, دون جميع أسباط بني إسرائيل هكذا (مريم) ولدت المسيح وهي عذراء. الأمر الذي لا يمكن حدوثه عادة, ولكنه حدث لمريم العذراء وحدها من دون جميع النساء.
وشاء الرب بالإضافة إلي ذلك أن حمامة بيضاء جميلة جاءت واستقرت علي رأس يوسف النجار, فكانت علامة أخري لتوكيد مشيئة الله في أن يكون يوسف النجار هو المختار الذي يحق له أن يأخذ مريم إلي حماه وإلي بيته.
علي أنه حرصا علي سمعة العذراء مريم التي سيأخذها (يوسف) إلي بيته رأي الكهنة وجوب عقد زواج رسمي بين يوسف ومريم, وكان هذا التصرف عملا حكيما بمشورة الله وتدبيره, حتي متي حبلت العذراء مريم, دون أن يكون بينها وبين يوسف عقد زواج رسمي, فلا ترجم كما أمرت الشريعة أن ترجم المرأة في هذه الحالة بوصفها زانية (يوحنا 8:5), (اللاويين 20:10), (التثنية 22:22).
وقد شهدت نصوص الإنجيل علي أن يوسف زوج مريم رسميا, ومريم زوجة ليوسف رسميا, وإن كانا في الحقيقة قد عاشا معا كأب عجوز في نحو التسعين من عمره مع إبنته وهي صبية في الثانية عشرة من عمرها.
قال الإنجيل للقديس متي (كان يوسف رجلها بارا) (متي 1:19), وكلمة (رجلها) تعني (زوجها), وتدل علي الاقتران بالزيجة, وليس مجرد الخطبة.
ثم إن الإنجيل المقدس يروي أن (يوسف) رأي علامات الحمل ظاهرة علي مريم فارتبك وهو يعلم أن هذا الحمل ليس منه, وكانت الشريعة تبيح له أن يجمع علي مريم شيوخ المدينة ويفضح أمرها فيحكمون عليها بالرجم ويضروبونها بالأحجار حتي تموت, لكن (يوسف) إذ كان رجلا بارا (لم يشأ أن يشهر أمرها, أراد أن يخلي سبيلها سرا) مكتفيا لبرارته وتقواه, بأن يطردها من بيته خفية دون أن يرجمها (ولكنه فيما كان يفكر في ذلك, إذا ملاك قد ظهر له في حلم قائلا: يا يوسف بن داود, لا تخف أن تستبقي مريم امرأتك, لأن الذي سيولد منها إنما هو من روح القدس, وستلد إبنا وتسميه يسوع, لأنه هو الذي يخلص شعبه من خطاياهم, وقد كان ذلك كله ليتم ما قاله الرب بفم النبي القائل: ها إن العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعي اسمه عمانوئيل, الذي تفسره الله معنا). فلما نهض يوسف من النوم فعل كما أمره ملاك الرب, واستبقي مريم امرأته (متي 1:19-24).
وهكذا نري نصوص الإنجيل ناطقة بأن مريم زوجة يوسف, وليست مجرد خطيبة, أو مخطوبة, ولو أنها بالفعل لم تعرفه ولم يعرفها معرفة الرجل لزوجته, ولهذا حرص الإنجيل علي أن يقول (ولم يعرفها حتي ولدت الابن) (متي 1:25) وذلك توكيدا لهذه الحقيقة أن العذراء مريم ولدت يسوع المسيح وهي عذراء بكر لم يمسها يوسف قبل أن تلد المسيح يسوع, وبالطبع لم يمسها من بعد.
أما وصف الإنجيل للعذراء مريم بأنها خطيبة ليوسف, فللدلالة علي أن يوسف - وإن كان زوجا رسميا لمريم بموجب العقد الرسمي بينهما في الهيكل علي يد الكهنة- لكنه لم يمس مريم بالفعل, وإنما كانت معه كابنة أو خطيبة, لا كزوجة.
قال الإنجيل للقديس لوقا وهو يروي حادثة الميلاد وظروفها التي اضطرت معها العذراء مريم- وهي حامل- لتسافر من الناصرة بإقليم الجليل إلي بيت لحم في إقليم اليهودية (فذهب الجميع لتسجيل أسمائهم, كل واحد في مدينته, ومن ثم ذهب يوسف أيضا من مدينة الناصرة التي بالجليل إلي مدينة داود المسماه بيت لحم التي باليهودية, إذ كان من بيت داود ومن عشيرته, ليسجل اسمه مع مريم (خطيبته) التي كانت حبلي. وفيما كانا هنالك حان موعد ولادتها, فولدت ابنها البكر, وقمطته وأضجعته في مذود, إذ لم يكن لهما مكان في الفندق) (لوقا 2:2-7).
فعلي الرغم من أن العذراء مريم كانت حاملا وعلي أهبة الوضع والولادة, مع ذلك وصفها الإنجيل بالنسبة ليوسف بأنها (خطيبته), وذلك توكيدا علي حقيقة بتوليتها وبكارتها, وأن يوسف لم يمسها كزوج, وإن كانت هي زوجته بموجب العقد الرسمي الذي عقده الكهنة في الهيكل, لكنها كانت بمثابة (خطيبته).
كذلك قال الإنجيل للقديس متي (أما ميلاد يسوع المسيح فكان هكذا: كانت أمه مريم مخطوبه ليوسف...) (متي 1:18).
والمعني واضح في جميع النصوص الإنجيلية أن يوسف عاش مع مريم, وهي في بيته, لا كزوج مع زوجته, بل كخطيب مع خطيبته, فهي زوجته رسما واسما, وخطيبته فعلا وعملا.
via مين غيرك بيحن عليا http://www.meen-8yrk.com/vb/showthread.php?t=1081&goto=newpost
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق