المديانيون في الكتاب المقدس
( أ ) مديان في الكتاب المقدس:
مديان كلمة سامية معناها "نزاع أو مخاصمة". وهو اسم الابن الرباع لإبراهيم من زوجته قطورة (تك 25: 2، 1 أخ 1: 32). وكان له خمسة أبناء رؤوس عشائرهم: عيفة وعفر وحنوك وأبيداع والدعة" (تك 25: 4، 1 اخ 1: 33)، ومنهم جاء المديانيون.
وقد صرف إبراهيم- وهو بعد حي- أبناء السراري، ومنهم أبناء قطورة، إلي أرض المشرق حتي لا ينازعوا ابنه إسحق في ميراثه (تك 25: 6).
ويذكر "مديان" بعد ذلك في الأصحاح السادس والثلاثين من سفر التكوين، حيث نقرأ أن "هداد بن بداد ملك أدوم، كسر مديان في بلاد موآب" (تك 36: 35). وكان التجار الذين اشتروا يوسف بعد إخراجه من البئر، قافلة تجار مديانيين، كما يوصف بأنهم إسماعيليون، إذ يبدو أنه قد حدث تزاوج واسع بين المديانيين والإسماعيليين، واختلط القبيلتان (تك 37: 25- 28و 36، انظر أيضاً قض 8: 24).
وقد لعبت أرض مديان دوراً هاماً في حياة موسي. فبعد ان قتل موسي الرحل المصري، هرب من وجه فرعون إلي أرض مديان، وجلس عند البئر (خر 2: 11- 15)، وهناك تقابل مع بنات يثرون كاهن مديان، الذي كان له سبع بنات، فأعطي يثرون موسي ابنته صفورة زوجة. وعمل موسي راعياً لغنم حميه. وبينما كان يرعي غنم يثرون، ساق الغنم إلي وراء البرية، وجاء إلي جبل الله حوريب، وهناك "ظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة" (خر 3: 2)، وارسله الله لإخراج شعبه من مصر.
ولا يرد ذكر مديان بعد ذلك إلا بعد خروج بني إسرائيل من مصر، ووصولهم إلي تخوم موآب ومديان. فاقفق ملك موآب مع شيوخ مديان علي استئجار بلعام العرَّاف لكي يلعن إسرائيل، لأنهم خشوا أن يفعلوا بهم ما فعلوه بالأموريين (عد 22: 1- 8). ولكن الرب منع بلعام من أن يلعن شعبه (عد 22: 1- 8). ولكن الرب منع بلعام من أن يلعن شعبه، بل وضع في فمه بركات ونبوات مذهلة، مما جعل غضب بالاق- ملك موآب- يشتعل علي بلعام. ولما رأي بلعام ذلك انطلق عائداً إلي شعبه (عد 24: 1- 24). ولكنه قبل انطلاقه أوصى بالاق بان يلقي معثرة لأمام بني إسرائيل، بأن يغريهم ببنات موآب، حتي يزنوا ويأكلوا ما ذبح للأوثان (رؤ 2: 14) لإثارة غضب الرب عليهم، وهو ما حدث فعلاً (عد 25: 1- 15). ويتضح مما جاء في هذا الفصل من سفر العدد، أن بنات مديان هن اللواتي قمن بهذا الدور، إذ أن المرأة التي جاء بها الرجل الإسرائيلي"زمري بن سالو" إلي المحلة وقدمها لأخوته، كانت امرأة مديانية اسمها "كزبي بنت صور"، أحد شيوخ قبائل مديان (عد 25: 6- 15). ويقول لهم الرب علي فم موسي: "ضايقوا المديانيين واضربوهم، لأنهم ضايقوكم بمكايدكم التي كادوكم بها في أمر فغور وأمر كزبي أختهم بنت رئيسي لمديان، التي قتلت يوم الوبأ بسبب فغور" (عد 25: 16).
وقد أمر الرب موسي أن ينتقم لبني إسرائيل من المديانيين، قبل أن يموت موسي. فحارب بنو إسرائيل المديانيين وهزموهم، وقتلوا كل ذكر منهم، وغنموا منهم غنائم كثيرة، وقتلوا ملوك مديان الخمسة: أوي وراقم وصور وحور ورابع، كما قتلوا بلعام ابن بعور بالسيف، وسبوا النساء ونهبوا كل الأملاك (عد 31: 1- 12).
وفي أيام القضاة، "عمل بنو إسرائيل الشر في عيني الرب فدفعهم الرب ليد مديان سبع سنين، فاعتزت يد مديان علي إسرائيل" فكان غزاة المديانيين والعمالقة وبني المشرق ينلون عليهم كالجراد في الكثرة وينهبون غلة الأرض والمواشي، "ولا يتركون لإسرائيل قوت الحياة ولا غنماً ولا بقراً ولا حميراً (قض 6: 1- 6).
ولما صرخ بنو إسرائيل للرب، أقام لهم قاضياً هو جدعون. "واجتمع جميع المديانيين والعمالقة وبنو المشرق معاً وعبروا ونزلوا في وادي يزرعيل، ونزل جدعون وكل الشعب الذي معه علي عين حرود، ولم يكن معه سوي ثلثمائة رجل، قسمهم إلي ثلاث فرق، واستطاع أن يهزم المديانيين ومن معهم هزيمة منكرة، وقتل اميري المديانيين غراباً وذئباً، وكذلك فعل بزبح وصلمناع ملكي المديانيين (قض 6: 1- 8: 21). وظل هذا الانتصار محفوراً في ذاكرة بني إسرائيل فيتكرر ذكره مراراً (ارجع إلي إش 9: 4، 10: 26، مز 83: 9، حب 3: 7).
( ب ) بلاد مديان:
يصعب جداً تعيين موقع وحدود بلاد مديان. ففي سفر التكوين (25: 6 لا نجد إلا أنها كانت في أرض المشرق" (تك 25: 6)، مما قد يعني أي مكان من جبل حرمون وشرقاً إلي نهر الفرات، وجنوباً إلي جنوبي شبة الجزيرة العربية. ولعلها كانت أيضاً تشمل الجزء الشرقي من صحراء سيناء المجاور لخليج العقبة. وكل هذه عبارة عن منطقة صحراوية. ويتفق معظم العلماء علي أن "بلاد مديان" كانت تطلق أساساً علي المنطقة الواقعة شرقي خليج العقبة في شبه الجزيرة العربية. وقد ذكر الجغرافي القديم بطليموس بلاد "موديانا" و "مديانا". والأرجح أن "مديانا" هي "مديام" التي ذكرها يوسابيوس المؤرخ الكنسي، ويغلب أنها هي "البيد" الواقعة علي بعد ستة اميال إلي الشرق من خليج العقبة. كما ذكر يوسيفوس- المؤرخ اليهودي (من القرن الأول الميلادي) أنها تقع علي ساحل البحر الأحمر، أي على خليج العقبة.
(جـ) شعب مديان:
مع أن المديانيين كانوا من نسل إبراهيم من زوجته قطورة، فإنهم لم يحسبوا إطلاقاً من شعب العهد. وكان ترحيب يثرون كاهن مديان بموسي عملاً كريماً، ولكن حتي منذ أواخر أيام موسي، أصبح المديانيون من ألد الأعداء لإسرائيل.
ولأنهم كانوا شعباً من البدو الرحل، يعيشون في الصحراء، فلم يكم لهم مقر ثابت، إذ كانوا كثيري التنقل من مكان إلي مكان سعياً وراء الكلأ لمواشيهم. كما كانوا يشتغلون بنقل المتاجر من الجنوب إلي الشمال، ومن الشرق إلي الغرب. فعندما اشتروا يوسف كانوا في طريقهم من جلعاد إلي مصر (تك 37: 35). وعندما كسرهم هداد بن بداد ملك أدوم، كانوا في بلاد موآب عبر الأردن عندما كان بنو إسرائيل يقيمون في شطيم (عد 25: 31). ووصلوا إلي غزة (قض 6: 4) ووادي يزرعيل في غربي- الأردن عندما اجتمعوا لملاقاة جدعون (قض 6: 33).
ويلقب حمو موسي مرتين في سفر القضاة "بالقيني" (قض 1: 16، 4: 11). وتختلف الآراء في تحديد العلاقة بين القينيين والمديانيين، فيقول البعض إن الكلمتين مترادفتان، ويقول البعض الآخر إن القينيين كانوا عشيرة من المديانيين (ارجع إلي عدد 24: 21). وقد ذكر القينيون كثيراً ما بعدما اندثر ذكر المديانيين، فقد ذكر القينيون في عهد داود (1 صم 27: 10، 30: 29). كما ذكروا في أيام إرميا النبي (إرميا 35، ارجع أيضاً إلي 1 أخ 2: 55).
( د ) الأبحاث الأركيولوجية في بلاد مديان:
حيث أن المديانييين كانوا من البدو الرحل، فإنهم لم يبنوا مدناً، ولم يذكر لهم اسم مدينة، لذلك لم يكن أمام الأثريين إلا التنقيب علي غير هدى في بعض مناطق شمالي شبه الجزيرة العربية، ولم يعثروا على شيء ذي قيمة. والشيء الوحيد الذي يمكن ذكره هو العلاقة بين قبيلة "الحيفة" التي جاء ذكرها في قوائم تغلث فلاسر الثالث ملك اشور، "وعيفة" أحد ابناء مديان (تك 25: 4)، فيذكر الملك الأشوري أن تلك القبيلة دفعت له الجزية، ذهباً وفضة وجمالاً وأطياباً. ويجمع إشعياء النبي بين مديان وعيفة وشبا (إش 60: 6). كما أن السجلات الأشورية تجمع بين "الحيفة والسبئيين.
via مين غيرك بيحن عليا http://www.meen-8yrk.com/vb/showthread.php?t=2136&goto=newpost
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق