سنحاريب من شخصيات الكتاب المقدّس
سنحاريب:
اسم أكادي معناه : "سن (إله القمر) قد زاد الإخوة" ، وهو ملك أشور الشهير (704 – 682ق.م)
(1) – اعتلاؤه العرش :
اعتلى العرش بعد موت أبيه سرجون الثاني . وكما يدل اسمه ، لم يكن هو أكبر أبناء سرجون ، ولكنه اختير ولياً للعهد وحاكماً عسكرياً لمنطقة الحدود الشمالية المضطربة . وكانت جرأته فى المواقف الصعبة ، وحزمه فى إجراء العدالة ، مما دعم موقفه ، فحالما اغتيل أبوه فى 705 ق.م. أسرع إلى الاستيلاء على العرش قبل أن يزحف على المنشقين.
(2) - سياسته الخارجية :
(I) القبائل الشمالية : منذ انتصار سرجون على القبائل الشمالية ، تعرضوا لضغوط من الكمريين (أو "الجمراي" فى اللغة الأشورية) الذين كانوا يتحركون من جبال القوقاز إلى الغرب نحو ليديا . وقاد سنحاريب حملات إلى جبال زاجروس وإلى تابال وكيليكية ، واستولى على طرسوس . وكان هدفه أن يحفظ طرق التجارة مفتوحة أمام الشعوب الصديقة خارج المناطق التى غزاها حديثاً ، وبذلك حمى الحدود واستطاع أن يكرس جهوده للمناطق الأكثر قلاقل فى إمبراطوريته.
(II) ولاية بابل : فى نفس السنة التى تولى فيها سنحاريب الحكم ، تولى عرش بابل مردوخ "أبلاإدِّينا" (مرودخ بلادان) عدو أبيه ، وشيخ بيت ياكين بتأييد من جحافل العيلاميين . وكان سنحاريب يصرف أغلب وقته فى "بورسيبِّا" لأنها كانت أقرب إلى موطنه الأصلي ، وأسهل فى الدفاع عنها بأتباعه من الأراميين . وفى 703 ق.م. ساق سنحاريب جيشه لمحاربة الثائرين عليه ، فهزمهم بالقرب من كيش . وبعد أن نهب بابل ، أخذ 208.000 أسير ، وأقام عليها ملكاً ألعوبة فى يده ، سبق أن تربى فى نينوى ، اسمه "بعل ابني". فلجأ "مردوخ أبلاإدِّينا" إلى المستنقعات الجنوبية ، إلى أن استطاع - بعد ثلاث سنوات - أن يحصل على مساعدة العيلاميين ، ويثير القبائل الكلدانية والأمورية ، ويتآمر مع "بعل ابني" . ولكن زحف الأشوريين السريع قضى على محاولة ذلك الحلف لتأييد استقلاله . وفى هذه المرة فرَّ مردوخ أبلاإدِّينا عبر الخليج الفارسي إلى جنوبي عيلام حيث قضى نحبه . وأراد سنحاريب - كعادته - أن يقضي على الشر من جذوره ، فقام بغزوة بحرية بأسطول من السفن يقودها ملاَّحون من صور وصيدون وقبرص ، وسارت السفن فى نهري الدجلة والفرات ، ومن رأس جسر على الساحل قام بغارات تأديبية على القرى التى آوت رجال القبائل الفارين من أرض المستنقعات.
ولكن هذه الغارات التأديبية لم يكن لها أثر دائم ، إذ سرعان ما قام العيلاميون بالانتقام ، فساروا فى نهر الدجلة ، وأسروا "أشور - نادين - شومي" فى سبَّار ، وكان أصغر أبناء سنحاريب، وقد ولاَّه عرش بابل (699 –694 ق.م.) وحل محله على عرش بابل أحد أنصار عيلام، اسمه "نرجل يوشزيب." ولكن فى 693 ق.م. رحفت جيوش أشورية من الجنوب وهزمت "نرجل يوشزيب" فى "نبُّور"، ولكنها لم تستطيع الإستيلاء على بابل نفسها التى كان يدافع عنها آرامي آخر اسمه "موشزيب مردوخ". وفى السنة التالية قام سنحاريب بحملة قوية لتأكيد سلطة آشور فى الجنوب، فقابل العيلاميين وهزمهم فى "الدير"، وهرب "موشزيب مردوخ" إلى عيلام، وأغرى العيلاميين والأراميين ليكمنوا للآشوريين فى "هالول" حيث جرت موقعة دموية، ولكنها لم تكن فاصلة. وحالت الانقسامات الداخلية فى عيلام دون استمرار مساعدتها لموشزيب فاستطاعت قوة آشورية أن تحاصره فى بابل طيلة تسعة شهور. وعندما سقطت المدينة، تعرضت للسلب والنهب، وأخُذ "مردوخ" إلهها إلى "نينوى". وظلت بابل هادئة إلى نهاية حكم سنحاريب.
(جـ) حملته على يهوذا : يبدو أن حزقيا ملك يهوذا ، بإغراء من "مردوخ أبلا إدِّينا" (مردوخ بلادان) ملك بابل للانضمام إلى الخلف ضد أشور (2مل 20 : 2و13) ، قبض على "بادي" ملك عقرون من قِبل الأشوريين (2مل 18 : 8) وعندما رفضت صيدون وصور دفع الجزية فى 701 ق.م. وجَّه سنحاريب حملته الثالثة إلى الغرب فاكتسح الساحل الفينيقي ، واستولى على صيدون وصرفة ومحالب ("أحلب" في قض 1 : 31) ويوشو وعكا. وهرب "إيلولي" ملك صور وحل محله "إيثبعل" ، ولكن سنحاريب تجاوز هذا الميناء البحري المنيع (صور) . وخضع له ملوك صيدون وأرواد وبيبلوس وبيت عمون وأدوم ، ولكن عسقلون وبيت داجون ويافا قاومته ، ففتحها ونهبها . وكانت مقاومة حزقيا فى وسط هذه الظروف عملاً جريئاً ، وبخاصة أنه عندما زحف الأشوريون إلى "إلتقية" (يش 19 : 44) ، هزموا المصريين الذين كان يستند على معونتهم – ولاشك – الحلف ضد الأشوريين . وسلخ الأشوريون جلود شيوخ عقرون وهم أحياء ، لتسليمهم ملكهم لحزقيا . ثم حاصر الأشوريون لاخيش فسقطت بعد حصار شديد ، ونهبوا ستاً وأربعين مدينة وقرية فى يهوذا ، وأخذوا 150و220أسيراً وغنائم كثيرة . ورغم أدوات الحصار العديدة التى كانت تطوق أورشليم ، أبي حزقيا الاستسلام (2مل 18 : 17 ، إش 36 : 1-21).
ويذكر سنحاريب فى نقوشه أن حزقيا دفع له بعد ذلك – كجزية – أربعين وزنة من الذهب ، وثمانمائة وزنة من الفضة وحجارة كريمة وغير ذلك من البضائع النادرة . ويذكر سفر الملوك الثاني (18 : 13-16) أن حزقيا دفع لسنحاريب ثلثمائة وزنة من الفضة ، وثلاثين وزنة من الذهب . وقد يرجع هذا الفرق إلى أن باقي الجزية دفع فى أشكال أخرى ، أو لاختلاف وحدات الأوزان المستخدمة ، أو لميل الأشوريين للمغالاة.
ويذكر سنحاريب أن حزقيا أطلق سراح "بادي" الذي مُنح بعض المناطق التى كانت قبلاً من أراضي يهوذا ، تعويضاً له على ما تحمله فى سبيل أشور . ويقول سنحاريب "إنه فى تلك الأثناء حبست حزقيا فى أورشليم – عاصمة ملكه – كطير فى قفص ، وأقمت مراكز حراسة حول المدينة لكي يلقي حتفه كل من يجرؤ على الخروج من باب المدينة".
ولم ينجح الحصار لأن حزقيا كان قد سبق فأجرى الماء فى نفق تحت الأرض من نبع جيحون إلى داخل أورشليم (2مل 20 : 20 ، 2أخ 32 : 30) ، ولثقته العظيمة فى الله واتكاله الوطيد عليه ، وليس على معونة خارجية (2مل 19 : 32-34).
ولا يذكر سنحاريب فى تاريخه شيئاً عن نتيجة هذا الحصار ، فقد كانت نتيجته خيبة كاملة له ، وهزيمة ساحقة لجيشه الذى قتل منه ملاك الرب مئة ألف وخمسة وثمانين ألفاً (2مل 19 : 35).
ويزعم هيرودوت أن هلاك جيش سنحاريب كان بسبب "جيوش جرارة من الفئران زحفت بالليل وقرضت كل سهام وأقواس العدو ، وكل المناطق التى كانوا يشدون بها تروسهم ... فعندما بدأوا القتال فى اليوم التالي سقطت منهم الأعداد الكبيرة إذ لم يجدوا في أيديهم سلاحاً يدافعون به عن أنفسهم".
ويدور جدل كبير حول ما إذا كانت هذه الأحداث جرت فى حصار واحد أو فى مرتين . فالذين يقولون إن سنحاريب حاصر أورشليم مرتين ، يرون أن الإشارة إلى اقتراب القوات المصرية بقيادة ترهاقة الملك النوبي (2مل 19 : 9 ، إش 37 : 9) تدل على حصار آخر حيث أن ترهاقة لم يجلس على عرش مصر إلا فى 690 ق.م. ويمكن الرد على ذلك بأن ترهاقة عمل قائداً عاماً لجيش مصر قبل ذلك ، إذ لا دليل أكيداً على أنه ولد فى 709 ق.م. وبذلك كان أصغر من أن يقود جيش مصر فى أثناء الحصار الأول فى 701 ق.م.
ويقول أصحاب نظرية مَرَّتَي الحصار ، إنه فى الحصار الأول فى 701 ق.م. ودفع حزقيا الجزية وأطلق سراح بادي ، ثم بعد ذلك ثبت أمام الحصار الثاني (نحو 689 – 686 ق.م .) عندما هاجم سنحاريب العرب جنوبي دمشق ، وهو ما لا تذكر عنه السجلات الأشورية شيئاً . والذين يقولون بهذه النظرية يلزمهم إثبات أن المؤرخين العبرانيين قد خلطوا بين المرتين وجعلوهما حصاراً واحداً . كما أنهم يفسرون ما جاء فى سفر الملوك الثاني (19 : 37) عن مقتل سنحاريب ، بأن هذه العبارة تعنى أن مقتل سنحاريب حدث بعد عودته من فلسطين مباشرة ، ولكن العبارة الكتابية لا تتضمن ذلك مطلقاً ، فهي لا تذكر كم مضى من الزمن بين عودته إلى نينوى ومقتله فى 681 ق.م. فقد حدث ذلك – على أي حال – بعد مضي سنوات بعد الحصار فى كلتا الحالتين ، فليس ثمة دليل تاريخي ينفي أنه كان حصاراً واحداً فى 701 ق.م. وهو الأمر الذي أصبح يلقى قبولاً لدى الأكثرين.
(د) موته : نعلم مما جاء فى سفر الملوك الثاني ونبوة إشعياء أن سنحاريب اغتاله ابناه بينما كان ساجداً فى بيت نسروخ إلهه (2مل 19 : 37 ، إش 37 : 38). وأنهما هربا إلى أرض أراراط ، وملك آسرحدون ابنه عوضاً عنه . ولا تذكر السجلات الأشورية شيئاً عن ذلك ، ولكن السجلات البابلية تذكر أنه قُتل بيد "ابنه" ، وهذا اختلاف عادي ، إذ قد يكون أحد الابنين هو المحرض أو هو الذى أجهز عليه . ولا يشير آسرحدون أي إشارة إلى مقتل أبيه فى قصة ارتقائه العرش ، وإن كان يذكر معارضة أخويه له ، واضطراره إلى قتال المعارضين وهزيمتهم قبل أن يرتقي العرش . ويذكر أنه هزمهم فى "هاينجالبات" ، ومنها فر اثنان منهم إلى أراراط . ويذكر أشور بانيبال – بعد ذلك بنحو ثلاثين سنة – أن جده سنحاريب : قد سُحق بين تمثالي إلهين حارسين.
(3) – سياسته الداخلية :
حكم سنحاريب حكماً صارماً ولكنه اشتهر بعدله فى وطنه . وبتشجيع من زوجته السامية الغربية (على الأرجح فلسطينية) "نقية زكوتو" ، صرف جهوداً كبيرة فى إعادة بناء عاصمته نينوى . وسخَّر أسرى الحرب فى بناء "قصره الذي لا نظير له" ، وعمل أثاث الحجرات من خشب الأرز والسرو والجوز والأبنوس ، وزين حوائطها بأكثر من 9.000 قدم مربع من النقوش التى تصور انتصاراته بما في ذلك حصاره لخيش.
وقد تم الكشف عن هذا القصر فى 1965 ق.م. وكان الماء يُجلب للمدينة عن طريق قنوات وسدود لفري المدينة والبساتين حولها بين نهري دجلة وخوسر . وقد أدخل سنحاريب زراعة القطن إلى أشور.
via مين غيرك بيحن عليا http://www.meen-8yrk.com/vb/showthread.php?t=2146&goto=newpost
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق