الكنيسة الأم لنيافة الأنبا مكاريوس هذه المؤسسة اسمها الكنيسة، أسماها المسيح هكذا "كنيستي": «وأنا أقولُ لكَ أيضًا: أنتَ بُطرُسُ، وعلَى هذِهِ الصَّخرَةِ أبني كنيسَتي، وأبوابُ الجَحيمِ لن تقوَى علَيها» (متى 16: 18 ) باعتبارها أم تجمع أولادها حولها ويرعاهم المسيح، أي تجمعهم له.. والكنيسة أم من هذه المنطلقات: 1- تتمخض بأولادها: هناك ارتباط حميمي بين الأم وأولادها، يبدأ بالحمل واتحاد الاثنين معًا؛ والكنيسة تسعى إلى الناس كافة وتحاول معهم، وترشد وتعظ الموعوظين (تتمخض بهم)، هكذا كانت الكنيسة قبل أن تلد الأولاد من المعمودية تتمخض بهم من خلال محاضرات الموعوظين لشهور طويلة، مثلما كان يحدث في الصوم الكبير، لتعدهم للعماد عندما ترى أن الجنين قد اكتمل. والقديس بولس الرسول يقول: «يا أولادي الّذينَ أتَمَخَّضُ بكُمْ أيضًا إلَى أنْ يتصَوَّرَ المَسيحُ فيكُم» (غلاطية 4: 19) أي أنه سيلدهم، ولكن ولادة جديدة علي شكل المسيح نفسه!! ففي الولادة الجسدية يأخذ الشخص شكل أبيه وأمه، وكذلك في الولادة الجديدة فهو سيلدهم علي صورة السيد المسيح نفسه. ولعل القديس بولس يقصد كيف سيتلمذهم على المسيح ويسلمهم إياه من خلال التلمذة. 2- تلدهم: الكنيسة هي البطن التي تلد بنين للمسيح، ونردّد دائمًا أننا "أولاد معمودية واحدة" وأنه لا يمكن أن نصبح بنين لله ما لم تلدنا الكنيسة. وكما يولد الشخص جسديًا من أم تحبه وتتألّم لأجله وتهتم به وقد ولدته لأبيه الجسداني يحمل صفاته، هكذا تلدهم الكنيسة على صورة الله؛ ومن هنا قال القديس أغسطينوس إن تربية الأولاد هي عملية لاهوتية لأننا نتسلّمهم من المعمودية على صورة المسيح، يؤخذ في الاعتبار جيدًا أنه ما لم يولد الإنسان من الكنيسة فليس له نصيب مع المسيح، هكذا صرّح الرب بفمه الطاهر: «أجابَ يَسوعُ وقالَ لهُ: "الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكَ: إنْ كانَ أحَدٌ لا يولَدُ مِنْ فوقُ لا يَقدِرُ أنْ يَرَى ملكوتَ اللهِ"» (يوحنا 3: 3). 3-تهيئ لهم الطعام: هذه مائدة الإفخارستيا، وهذه ليتورجيات، ونهضات، ومدارس تربية كنسية، واحتماعات نوعية، وأعياد للأم، وولائم أغابي، وتعاليم متنوعة (طقس وعقيدة ولاهوت وسير قديسين ...الخ)؛ تمامًا مثلما تنوّع الأم الطعام في البيت وتتفنّن في إطعامهم وإرضائهم، فالطعام الخارجي غير مضمون وغير دسم أو مشبع... هكذا تفكّر الكنيسة وتخطّط وتبتكر كل ما يمكن أن يرضي ويشبع ويجتذب أولادها.. 4- نجد فيها الراحة ونغسل همومنا: مثلما يرتمي الطفل في حضن أمه فتهدأ اعصابه حتى دون كلام منها، إذ يكفي أنها تحتويه، تنتظره عند عودته وهو كذلك متشوّق إليها، أتذكّر أن رجلاً في الأربعين قال لي إنه عندما تشتد به المتاعب يردّد قائلاً: "أين حضن أمي الآن لأرتمي فيه وأبكي لأجد الراحة". وفي الأديرة ندخل إلى داخل الكنيسة لنهدأ عندما ننشغل أو نضطرب أو تثقل علينا الأفكار، وألاحظ كثيرًا أن البعض يمرّون في طريقهم إلى الكلية أو العمل بالكنيسة حتى ولو من خارج الباب، وكثيرًا ما أجد البعض جالسًا في ركن منها هادئًا. ومن هنا أيضًا وُصِفت بالسفينة بينما وُصِف السيد المسيح بالميناء الذي نشعر عنده بالأمان. هكذا نلاحظ أن الإنسان بمجرد أن يدخل الكنيسة يجد الراحة، حتى وإن لم يجد من يكلّمه، مثلما يستريح الطفل على صدر امه دون كلام فيجد راحة وطمأنينة، لاحظ أيضًا كيف أن الناس يلجأون إلى الكنيسة عند الضيقات، وعندما يحتاجون إلى شيء مثل العمل والزواج والاحتياج المادي أو حتى عندما تضطرب البلاد وعند الحروب، وهكذا حدث عند خراب أورشليم أن احتمى الناس في الهيكل، وفي العهد القديم كان للإنسان أن يهرب إلى الخيمة أو الهيكل ليمسك بقرون المذبح وبالتالي ينجو من الهلاك. 5- تحمل أحشاء رأفة: استخدم الكتاب كثيرًا تعبير "أحشاء رأفة" وحتى عندما تعاقب الكنيسة شخصًا فإنها تستخدم نفس طريقة الأم، والكتاب المقدس كثيرًا ما يتكلم عن "احشاء رأفة" وهو وصف له علاقة بالحمل والولادة: «فالبَسوا كمُختاري اللهِ القِدّيسينَ المَحبوبينَ أحشاءَ رأفاتٍ، ولُطفًا، وتواضُعًا، ووداعَةً، وطولَ أناةٍ،» (كولوسي 3: 12). تشعر الأم بأولادها، تئن عليهم، تشعر بهم عن بعد، تواسي هذا وتلاطف ذاك وتدافع عن هذه وتتأنى الخ... 6- لا تفرِّق بين أولادها: هكذا الأم لا تميز بين الكبار والصغار، الأذكياء والعاديين، الذين يظهرون حبًّا والذين لا يظهرون، حتى في الميراث تعطي بالتساوي، بل تعمل بكل قوتها حتى ترتقي بهم، ومهما أخطأوا لا ترفضهم عنها، بل ومهما أساءوا إليها وجرحوها لا تغضب منهم أو عليهم، فقد يخرج أناس عن الكنيسة ويكتبون ضدها ويحاولون إهانتها، أما هي فبابها مفتوح للكل، وذراعاها ممدودان للجميع. وفي المقابل هناك أمهات فتحن بيوتهن للجميع وحوّلوها إلى كنائس صغيرة وهكذا يكون الجمع بين الكنيسة والأمومة. 7- هناك أمهات بديلات وغير حقيقيات: مهما حاول الإنسان أن يختار أمهات بديلات ليحيا معهن، فلن تكون إحداهن مثل الأم الحقيقية، من هنا سُمِّيت الكنيسة القبطية الكنيسة الأم أو "أم الكنائس" أو الأصلية والأصيلة، ومهما حاول البعض إيجاد بدائل لها فإنها جميعا تفشل، مثلما حاول البعض عمل كنائس وجماعات، وداخل البيوت، والذين تركوا الكنيسة إلى جماعات أخرى ما يزالون يرون فيها الأم الحقيقية: يعمِّدون فيها ويزوّجون فيها ويصلّون على موتاهم ويحبّون زيارات الآباء لهم، وحتى الذين رفضوا الأمومة بشكل عام، وتنكّروا لها، لم ترفضهم هي في المقابل ولم تتخلَّ عن مسئوليتها عنهم، أتذكر في المقابل كيف حاول البعض تشكيك الكثيرين في الكنيسة فلم يقبلوا ودافعوا عنها مثل الأسقف إيسيذوروس. 8- مستعدة لتبني أي ابن: في المقابل فهي مستعدة لتبني أي ابن وُجِد خارجها، تتمخض به أيضًا وتلده من جديد، وتهبه اسمها وتجعله بين أولادها، يأكل معهم ويرث أيضًا، إلى مثل ذلك أشار القديس بولس حين تكلم عن الزيتونة البرّية التي طُعِّمت في الزيتونة الحقيقية: «فإنْ كانَ قد قُطِعَ بَعضُ الأغصانِ، وأنتَ زَيتونَةٌ بَرّيَّةٌ طُعِّمتَ فيها، فصِرتَ شَريكًا في أصلِ الزَّيتونَةِ ودَسَمِها» (رومية 11: 17) بل هي تدعو الكل مثلما أقامت وليمتها في سفر الحكمة ودعت الكل اليها. وهناك خراف أُخَر من حظائر أخرى يطلب الله أن يأتوا إلى الحظيرة الحقيقية لتكون رعية واحدة لراعٍ واحد (يوحنا 10: 16). 9- أم ولود: وتعبير "الولود" يُقصَد به الأم التي لا تكف عن الحمل والولادة، وهو تعبير يُستَخدَم كثيرًا عندما يأتي الخدام بعد الخدام، وكذلك الكهنة والأساقفة والبطاركة، وتفرح الكنيسة بل وتسعى في تخريج دفعات الخدام والشمامسة، بل واكتساب تائبين جدد كل يوم فالله يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون، وقد طمأن الله الكنيسة والتي ادّعى البعض أنها عاقر قائلا: «ترَنَّمي أيَّتُها العاقِرُ الّتي لَمْ تلِدْ. أشيدي بالتَّرَنُّمِ أيَّتُها الّتي لَمْ تمخَضْ...» (إشعياء 54: 1) لذلك نتعجّب عندما نجد كنيسة ليس فيها من يصلح كاهنًا أو راهبًا. 10- تبكي أولادها مثل راحيل: راحيل التي كانت تأبى أن تتعزّى عن أولادها في السبي لأنهم ليسو بموجودين، لا تستريح الكنيسة حتى يعودوا من جديد، تزورهم وترسل إليهم وتؤكد لهم أنها في الانتظار، مثلما بكى القديس بولس على الذين أحبوا العالم وتركوه «لأنَّ كثيرينَ يَسيرونَ مِمَّنْ كُنتُ أذكُرُهُمْ لكُمْ مِرارًا، والآنَ أذكُرُهُمْ أيضًا باكيًا، وهُم أعداءُ صَليبِ المَسيحِ» (فيلبي 3: 18 ) ومنهم ديماس بالطبع الذي أحب العالم الحاضر. في المقابل هناك أمهات كثيرات حوّلن بيوتهن إلى كنائس صغيرة، وكانت تلك البيوت النواة الأولى للكنيسة الكبيرة، وتحقق لأولادها بشكل ما ومن منطلق روحي كل ما أشرنا اليه من صفات في الكنيسة الأم، فهي تهتم بأرواحهم وغذائهم وأصوامهم وإنجليهم وسير القديسين.. ويتبقى السؤال: أين المسيح في كل ذلك؟ المسيح هو سر مجد الكنيسة، وكل الغنى الذي فيها هو مصدره، تمامًا مثلما يضع الزوج راتبه تحت تصرّف الأم هكذا قد وضع المسيح في كنيسته الأسرار والكهنوت والبيت بيته والخدام له وهو الممجَّد من الآن وإلى الأبد. آمين. | ||
via مين غيرك بيحن عليا http://www.meen-8yrk.com/vb/showthread.php?t=1023&goto=newpost
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق